لقد وقفت في ساعات الضحى أتأمل هذا الفضاء الواسع فاجتمع عليَّ الألق والشعاع والنسيم. . . كانت الأضواء الراقصة تداعب جفنيَّ، وتريدهما على الإغماضة الخفيفة في ظلال الرؤى والمباهج. . . وكانت النسمات الرخية تعبث بشعوري فتمر عليها باليد الناعمة واللمسة الخفيفة. . . وكان الألق الفضي ينسكب فوق كل شيء، فإذا الدنيا تموج في بريقه المتقد، وتتلألأ في سناه الوضاء.
- ٤ -
لم يعد يشوقني إلا أن أنظر إلى بعيد. أشهد الصحراء العارية على شاطئ الأفق. لقد تجردت من كل شيء: من البناء المرتفع والعشب النامي، والشجر المخضل. . . وأوغلت في البعد. . . وذهبت تغتسل في خضم واسع من الزرقة الخفيفة. . . لقد غابت فيه فلم يعد يظهر منها إلا هذه الذيول التي ألقت بها على الشاطئ تتلقى الشعاعات المترهجة، وتكتسي السراب الخادع. . . ثم ظهرت من جديد. . . فإذا الشمس تفيض عليها حلة من نورها الخاطف وألقها الوضاء. . . وإذا هي تبدو صافية نقية ناعمة، طهرتها السماء، وكساها النور، وفاض منها الجلال.
يا لروعة الصحراء!. . . إن رمالها المتراصة لتغني على مسمع الزمن أنشودة رائعة من أناشيد القوة والمجد، وإنها لتوقع لحناً بارعاً من ألحان الكرامة والنبل، وإنها لتكتب صفحات بارزات (في كتاب) الصفاء والطهر. . . فمتى نخلص إلى هذه الصحراء لننجو من غدر المدنية؛ وأثقال الحضارة، وأوضار المجتمع. . .؟ ومتى نعيش على هذه الرمال نستمع إلى حدائها، ونصغي إلى غنائها، وننعم بصفائها الطهور؟؟
- ٥ -
أخذت أطوف مع الظهيرة في أطراف الضاحية. . . لا أخشى لفحات الشمس، لأن النسائم اللطاف كانت تذهب بشدتها وتحيلها ضوءاً ناعماً، ولوناً زاهياً، ونوراً حلواً. . . ومضيت في جنباتها المتباعدة؛ ووقفت أمام هذه الدارات المنثورة على أكناف الطرق أشهد بساطتها المحببة. . . كان أروع ما فيها هذه الحدائق القائمة على كتف الصحراء، وهذا الياسمين المنتثر على الرمال الصفراء، وتلك الأزاهير الفواحة في الأرض الجدباء. . . لقد ضمت