عالمين متباعدين فألفت بينهما، فإذا الخضرة الزاهية تتموج على حفافي الصحراء الصامتة؛ وإذا الزهر الندِي يقبل الرمل الحالم، وإذا دنيا الحضارة والترف تتآخى مع دنيا الجلال والخشونة، في عالم رائع أخاذ.
- ٦ -
كان كل شيء في (عين شمس) يسلمني إلى سلسلة بعيدة من مفاتن الجمال. . . لقد أحسست النشوة في كل نظرة، ووجدت الهدوء في كل مشهد، وأحببت الصحراء فوق ما كنت أحبها، وفنيت في أجوائها المتسعة، وفي فضائها الرهيب. . . ولم ألق الخشوع بمثل ما لقيته في فناء مسجدها الجامع. . . لقد صليت على الرمل الممتد. . . فإذا أنا أحلق في عوالم مُثلى وسموات عليا، وإذا أنا أنسى كل شيء وأغيب عن كل شيء، وأن هدفي كل ما حولي، وإذا أنا أنشد الحقيقة الحقة، والخير المحض، والجمال المطلق. . . وأتلمس إلى ذلك الهداية والنور، وأحس اليقين والاطمئنان؛ وأجد من اللذاذات ما لم أجده من قبل في مكان.
- ٧ -
حين جلست في المساء أنتظر أن ينشق هذا الهدوء الضافي عن القطار الصاخب، كان كل ما حولي يرتل نغمة السكون على هدهدة الليل الهابط. . . لقد انتشرت على صفحة السماء قطع متناثرة من الغيم الوردي الزاهي، واستعارت الدنيا لحظات هذا اللون الجميل، فصبغت به كل ما حولها. . . ثم لم يلبث أن اضطرب واهتز كما يهتز الطير الذبيح. . . لقد طمس عليه الليل، فغابت آخر شعاعاته من الأفق حين كان عامل المحطة يبعث أول ألسنة النار الحمراء في كومة من الخشب المشتعل.
. . . لشد ما تمنيت أن أكون في (عين شمس) هذا العاملَ السعيد. . .!