الليلة الظلماء لا يدري أين يضع قدمه لأنه يخشى أن تزل به
. . . لكأني كنت أخادع نفسي فلا أفجؤها بالآهة الحرى والدمع الهتون.
- ٢ -
وأخذت اقرأ من هنا وهناك لم أبتدئ مع الكلمات الأولى كما يفعل الناس، لأني لم أك أملك الإرادة الهادئة والطبع المتزن. ولكنما كنت أعدو وراء الكلمات وأمضي في ثنايا الأسطر، لألقى الشر وأجد خبر المصيبة
إن الفراشة الوادعة ليست هي وحدها التي تسعى إلى النور لتلقي حتفها فيه، ولكننا في ساعات المصيبة أشبه بهذه الفراشات؛ غير أننا نتداعى في قبور الظلمة ومسارب الكهوف لتلتهمنا الآلام الفواجع
- ٣ -
لقد عرفت في كتب صاحبي أناقة الصورة وجمال المظهر؛ وكنت أجد فيها مرح الطفولة وعبث الصبا؛ وكانت تنشر لعيني ذكريات الماضي وأصداء السنين. لطالما هدأت إلى ظلالها الوارفات بعد الطواف البعيد! كانت أشبه بالزهرة الفواحة التي تتفتح عنها نفس يهزها الأمل، ويحدوها الرجاء، وتزدهر من أمامها مسالك الحياة. . . ولكنها اليوم شيء آخر، لقد عصفت بها العاتيات فعرتها من الجمال الضافي، وسطت عليها لفحات النار فذهبت بروائها الزاهي. . . لم يعد كتاب صاحبي إلا الهشيم الذي تذروه الرياح الهائجة: تلطمه بالمصيبة، وتصدمه بالفجيعة، وتنال منه بالحزن
وفي طرف منه جمدت عيناي ويبست أطرافي. كان يهتز في يدي كما تهتز الأوراق البالية في أعقاب الشجرة الضخمة، فتسمع لها حشرجة الروح، وانين الاحتضار. . . لكأن كلمة الموت التي طرقت مسمعي فيه، قد ملأت كل كياني، فإذا أنا وهذه الدنيا من حولي هامد همود الجثة. . . صامت صمت الموت. . . موحش أيحاش القبر.
- ٤ -
يا للمساكين الذين تنالهم الدنيا بأحزانها السود، وتنشب مخالبها الحادة في أجسادهم الطرية الرخوة. . . إنهم لم يستكملوا بعدُ ريعان الفتوة وزهرة العمر وربيع الشباب، ولكن الحياة