الفلاح يمكنه أن يرتب العمل الواجب إنجازه بكل دقة. وعمل الفلاح على الجملة سهل، ولكن رفع المياه للري شاق متعب!
ومناخ مصر - في معظم السنة - ملائم للصحة إلى درجة تستحق الذكر. غير أن الأبخرة المتصاعدة من الأرض بعد الفيضان تجعل أواخر الخريف أقل ملائمة للصحة، فهي تسبب الرمد والديسنطاريا وبعض أمراض أخرى تكون أكثر شيوعاً في الخريف منها في الفصول الأخرى. وتهب فجأة رياح جنوبية حارة تدوم ثلاثة أيام في وقت الخماسين التي تدوم على وجه التقريب خمسين يوماً تبدأ في شهر أبريل وتنتهي في آخر مايو؛ وتلك الرياح يندر أن ترتفع منها الحرارة فوق ٩٥ درجة فاهرنهايت في الوجه البحري، أو ١٠٥ درجة في الوجه القبلي؛ إلا أنها تكرُب الأنفاس وتضيق الصدور. وفي الصيف يفد الطاعون إلى مصر، ويكون أشد خطراً في مدة الخماسين. ومصر معرضة أيضاً في الربيع وفي الصيف لريح السموم وهي أشد وطأة من رياح الخماسين، ولكنها أقصر مدة، إذ يندر أن تدوم أكثر من ربع ساعة أن عشرين دقيقة؛ وهي تهب عامة من الجنوب الشرقي حاملة معها سحباً من الغبار والرمال. وتتراوح الحرارة في منتصف الشتاء بعد الظهر في الوجه البحري بين الخمسين والستين درجة في الظل. أما في أشد الفصول فتتراوح بين التسعين والمائة درجة. ويزيد على ذلك حوالي عشر درجات في مناطق الصعيد الجنوبية. على أن حرارة الصيف مهما بلغت شدتها قلما تضايق النفس، لأن النسيم الشمالي يلطفها، ولأن المناخ شديد الجفاف. إلا أن هناك مصدراً كبيراً للضيق يسببه ذلك الجفاف، وهو كثرة الغبار. وهناك أوبئة أخرى تقلل كثيراً من الراحة التي ينعم بها المصريون وضيوفهم في هذا المناخ البهيج. ويكثر الذباب في الربيع والصيف والخريف كثرة مزعجة أثناء النهار. وأما في الليل فينتشر البعوض انتشاراً يقض المضاجع ما لم يتقه النائم بالكلة. ويملأ البق أثناء الفصل الحار كل المنازل ذات الأثاث الخشبي. ولا يمكن تجنب القمل في أي فصل، ولكن من السهل التخلص منه. أما البراغيث فتكثر في الشتاء كثرة مزعجة
ومناخ الصعيد أكثر ملأئمة للصحة من الريف وإن كان أشد حرارة. وقلما ينتشر الطاعون فيما وراء القاهرة. وهو أكثر انتشاراً في مناطق المستنقعات القريبة من البحر المتوسط. وفي أثناء السنين العشر الأخيرة، قبل زيارتي الثانية لمصر، لم تحدث غير إصابات قليلة