جداً، إلا في الأقاليم السابقة الذكر؛ وهذه لم يكن الوباء فيها شديداً، لأن البلاد تحسن صرف مياهها، وأدخلت فيها نظم المحاجر الصحية لمنع دخول هذا المرض من بلاد أخرى أو لوقفه. والرمد أكثر انتشاراً في الوجه البحري منه في الأقاليم الجنوبية. وهو يحدث عامة من العرق؛ ولكن ضرره يتفاقم من الغبار ومن أسباب كثيرة أخرى. وقلما يستفحل خطر هذا المرض إذا أسرع المرضى في استعمال الدواء، ولكن كثيراً من الوطنيين لجهلهم طريقة العلاج، أو لإصرارهم على تفويض الأمر للقدر، يفقدون البصر كله أو بعضه
وكثيراً ما سألني السائلون هل في مصر معمرون؟ ومن المحقق أن قليلاً من أهل هذا البلد مَن يبلغ السن العالية؛ ولكن من النادر أن يبلغ المرء هذه السن في بلدنا دون أن يصاب مراراً بمرض مميت لولا عناية الطب التي لا ينالها إلا النزر القليل في مصر. وحرارة الصيف تنهك الجسم ولكنها تدفع المصريين إلى الإفراط في الملذات الشهوانية. وخصوبة الأرض تولد الكسل، فيكتفي المصري بالقوت القليل، وهذه الكفاية يحصل عليها بأدنى سعي وأقل مشقة
والعاصمة المصرية الحديثة التي يشغل الحديث عن سكانها أكثر صفحات هذا الكتاب، تسمى الآن (مَصر) أو باللفظ الأفصح (مِصر)؛ ولكنها كانت تسمى من قبل القاهرة فصفحها الأوربيون إلى (كايرو). وموقعها عند مدخل الصعيد في منتصف المسافة بين النيل وسلسلة المقطم الشرقية، وبينها وبين النهر بقعة صالحة للزراعة في أكثر أجزائها. ويزيد عرضها على ميل في المناطق الشمالية (حيث يقع ميناء بولاق)، ولكنها في الجنوب أقل من نصف ميل. ومساحة العاصمة تبلغ تقريباً ثلاثة أميال مربعة. وقد أُحصى عدد سكانها أثناء زيارتي الثانية فبلغ زهاء مائتين وأربعين ألفاً؛ وقد زاد هذا العدد بعد ذلك كثيراً بسبب إنقاص عدد الجيش ولأسباب أخرى. والقاهرة محاطة بسور تقفل أبوابه ليلاً، وتشرف عليها قلعة كبيرة تقع في زاوية من المدينة بالقرب من الجبل، وشوارعها ليست مبلطة وأكثرها ضيق غير منتظم، وهي أحرى بأن تسمى أزقة
وتبدو القاهرة للأجنبي العابر في شوارعها ضيقة جداً تغص بالسكان؛ ولكن الحال تختلف في نظر من يشرف على المدينة من سطح منزل أو مأذنة مسجد. وأكبر الشوارع يكون فيه عادة صف من الحوانيت على كل جانب، وفوق الحوانيت غرف لا تتصل بها، وقلما تكون