إبليس - إنك لا تعرف الناس مثلما أعرفهم. إني أعرف كيف أمر بأناملي مراً رقيقاً على أوتار قلوبهم، فيذهلون، وأغني بصوتي هذا غناء شجياً فيطربون. . . إنك لا تعرف ما هي الأغاني التي أغنيها لهم. أني أغنيهم أغاني الأرض لا أغاني السماء! إن السماء تنير قلوبهم حقيقة. . . ولكن لأجل قريب. لا تنس أنهم خلقوا من طين الأرض. لاشيء يهز كيانهم غير أغاني الأرض!
عزرائيل - إنهم من الأرض ولكن أعينهم تتطلع إلى السماء
إبليس - نعم، عندما يشير لهم إليها النبي بإصبعه، فإذا ولى. . . عادت رؤوسهم تنخفض نحو الأرض. إنهم كالسنبلة التي لا يرفعها غير الإصبع، فإذا تركت سقطت
عزرائيل (كالمخاطب لنفسه) - عجباً! ولماذا إذن رضي الله أن يقبض نبيه؟! إن لله حكمة، أجل، أجل. أنسيت أيها الخاسر أن النبي إنما يأتي للتبليغ ويمضي. إنه جاء بالدين. إنه يذهب ولكن الدين باق. الدين هو الإصبع الدائمة التي لا تنفك تقيم المعوج. لا تفرح إذن كثيراً بموت النبي. ما مات غير الجسد الزائل. أما المبادئ والتعاليم فهي قائمة في وجه ريحك العاتية دائماً. . . أما الرسول في الحقيقة غير الرسالة. . . والرسالة لا تموت
إبليس - نعم، نعم.
عزرائيل - ما بالك وجمت! إن على وجهك الآن لغبرة تزيده قبحاً على قبحه. . .
إبليس - الرسالة والدين والتعاليم. . . هذا صحيح. . . ولكن. . . تلك الأشياء لم تخفني قط. . . فقد استطعت فيما مضى أن أنزع عنها بعض قوتها. . . إن المسيح قد بشر بالمثل الأعلى وفتح قلوب الناس لنور السماء. وذهب وقد ترك في الأرض قديسين وخلفاء ساروا على سنته في نبذ متع الأرض والانقطاع مترهبين في الصوامع والبيع والصحاري ورؤوس الجبال يتأملون وجه الله وحده، ناسين أو متناسين هذه الأرض التي من عناصرها صنعت أجسامهم. . . هنا تراءيت لهم ولمن تبعهم في صور مختلفة تذكرهم بما نسوه وتناسوه، وخاطبت أجسامهم بالمنطق الذي تفهمه، وحدثت عناصر تركيبهم باللغة التي تعرفها. . . فإذا أكثر الناس يصغون ألي في أمور حياتهم ومعاشهم ولا يذكرون التعاليم والمبادئ السماوية إلا يوم يجدون في أوقاتهم فراغاً للتفكير في السماء. إني ذكي. إني لم