جاءتنا صحف إنجلترا في البريد الأخير وفيها أحاديث شتى عن مأدبة أقيمت للمنجمين يحاضرون فيها عن صناعتهم ويدفعون فيها ما يتجه إليهم من نقد وريبة، ويذكرون لقرائهم والمستمعين إليهم شيئاً عن أسرار هذه الصناعة وأسسها، فلم يتفقوا لها على أسس ولا أسرار
فمنهم من أثبت للنجوم سلطاناً على حوادث هذه الدنيا وأخصها حوادث الحروب والنكبات، ومنهم من نفى العلاقة بين النجوم وبين الحوادث الأرضية في (علم) التنجيم الحديث
وقال بعضهم أن التنجيم يصيب ويخطئ كما يقع الصواب والخطأ في أصح العلوم، إلا أن الخطأ قليل في حساب المنجم الماهر كثير في حساب المنجم القاصر، وقد يقع الخطأ في خبرين من عشرة أخبار أو في خبرين من أثنى عشر خبراً ولا يقدح ذلك في صحة الحساب ولا في صحة (العلم) أو صحة الأساس الذي يقع عليه
وقد أطلعنا نحن على طائفة كبيرة من نبوءات الحرب الحاضرة فلم نعثر بينها على نبوءة واحدة تقطع بصحة (علم) التنجيم وتحوجنا إلى قبول دعوى المنجمين، وكلها داخل في مستطاع من ينجم ومن لا ينجم ومن يعرف أسرار العلم المزعومة ومن يجهل تلك الأسرار
فالإنباء بما سيأتي قد يتاح لأناس لهم اتصال بمصادر الأخبار أو لهم نصيب من بعد النظر، وهم في هذه الحالة يبلغون من الصدق ما لم يبلغه منجم ولا مصطنع نبوءات
فمن أمثلة الاتصال بمصادر الأخبار أن الصحفي الأمريكي ريتشارد بوير كتب في الثالث من شهر نوفمبر سنة ١٩٤٠ يقول:(إنهم ينظرون في جميع أنحاء الدنيا إلى روسيا وألمانيا نظرتهم إلى حليفتين. ومع هذا يبدو من الأمور المفروغ منها في الدوائر النازية أن ألمانيا ستغزو روسيا في السنة المقبلة. ويرى رجال الحكومة النازية بشيء من التقية وإن لم يبلغ مبلغ الأسرار المكتومة أن اتحاد السوفييت إما أن يسلم في إقليم أوكرانيا وإقليم النفط في باكو وولايات البحر البلطي، أو تستولي عليها ألمانيا عنوة حيثما تسنى لها أن تفرغ من إنجلترا. وقد يزعم بعض الموظفين في الحزب النازي أن الحرب بين الولايات المتحدة وألمانيا غير ضرورية على خلاف ما تبينته بين كبار الرؤساء من جزم بضرورة هذه الحرب وأنها واقعة لا محالة. . .)
فهذه أنباء لو اتفقت لمنجم لباهى بها أقرانه واتخذها حجة لصناعته في أساسها، ولمهارته