للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هو في كشف خباياها؛ ولكن الرجل الذي أذاعها قبل وقوعها صحفي لا يدعي لنفسه صفة غير صفة المخبرين الصحفيين ولا يسلك نفسه في عداد المنجمين

وإلى جانب هذا يكتب المنجم المختص بباب النبوءات في صحيفة أنباء الدنيا (أن أموراً على أعظم خطر سيتفق عليها رأسان من رؤوس الدول الكبار - ولعلهم ثلاثة - فيرتبط بها خلاص بني الإنسان)

ثم يزعم له مصدقوه أنه أحسن التنجيم لأنه كتب نبوءته في العاشر من شهر أغسطس ووقعت مقابلة الرئيسين روزفلت وشرشل بعد ذلك بأيام فتم فيها الميثاق الذي أشار إليه وربط به خلاص بني الإنسان!

إلا أن إشاعات المقابلة كانت تحوم في الجو كما يقولون قبل نشر النبوءة بثلاثة أيام، فسرى بين الصحفيين نبأ فحواه أن روزفلت وشرشل قد ذهبا إلى ألاسكا لمقابلة ستالين هناك، وكذبت هذه الإشاعة في حينها وهي بلا شك مصدر النبوءة التي أسرع بنشرها منجم الصحيفة ليواجه بها القراء وهم أكبر عدداً من زمرة الصحفيين القلائل الذين تنسموا النبأ على تلك الصورة قبل وقوع المقابلة، ولهذا تردد المنجم في عدد رءوس الدول فجعله بين الاثنين والثلاثة، واستفاد بين ألوف القراء سمعة التنجيم الصادق لأن هؤلاء القراء يجهلون الإشاعات الخفية التي ينفرد بعلمها بعض المخبرين في دوائر الصحافة، فيسهل إقناعهم بأنها سر من أسرار النجوم

وهكذا يقال في كل نبوءة وقفنا عليها من نبوءات الحرب الحاضرة، فهي إما اتصال بمراجع الأخبار العليا، أو صدق نظر في قياس المجهول على المعلوم

إلا أننا لا نريد أن ننكر الشعور بالأمور المقبلة من طريق غير طريق المراجع العليا، أو بعد النظر الذي يدخل في عداد الأقيسة العقلية

فقد يرى الإنسان ما سيأتي على نحو يشبه رؤية العين لأشباح الظلام، ولكنها رؤية لا تقبل التمحيص والمراجعة ولا تدخل في صناعة التنجيم، وهي مع ذلك مما ينقض التنجيم وليست مما يؤيده ويزكيه، لأنها ترد الشعور بالأمور المقبلة إلى الحس الباطن أو إلى الواعية ولا ترده إلى حساب النجوم أو إلى صناعة قابلة للتعلم والتعليم. وقد يقوى هذا الشعور حتى يتضح للعقل فيفسره كما يفسر الأقيسة ومدركات الأفكار

<<  <  ج:
ص:  >  >>