ولتحقيق تلك الغاية اتبعت الجمعية الجغرافية عدة طرق، منها القيام بعمل بحوث علمية على البيئات الجغرافية بحوض النيل والأمم والقبائل المنتشرة فوقه لتحديد مميزات تلك البيئات ومعرفة اختلاف تلك القبائل والأمم من حيث الجنس والعادات والتقاليد ونوع نشاطها المادي، وأن تتعهد الجمعية بنشر تلك البحوث وإلقاء المحاضرات التي تعالجها. يضاف إلى هذا أنها أنشأت متحفاً بدارها يضم كثيراً من أنواع الحرف والصناعات التي يمكن اعتبارها إلى حد ما من مميزات البيئة المصرية ممثلة في مدينة القاهرة. ولها أيضاً مكتبة غنية بما فيها من كتب ومراجع تاريخية وجغرافية عامة
ولو حاولنا أن نحصي نتائج البحوث العلمية التي قامت بها الجمعية منذ نشأتها إلى اليوم لظهر لنا أن قيمة هذه النتائج محدودة، وخصوصا إذا قيست هذه النتائج بما استنفد فيها من مجهودات في مدة خمس وسبعين تقريباً. إذ أننا لم نر لها بحثاً علمياً كاملاً في أية ناحية من نواحي الحياة المصرية، أو بما له اتصال مباشر بحوض النيل. هذا إذا استثنينا بعض المقالات والفصول التي تظهر بين وقت وآخر في مطبوعاتها؛ فهي أقرب إلى أن تكون إعلانات عن موضوعات يتناولها فيما بعد علماء مختصون يعنون بدراستها دراسة علمية منظمة. ولا تزال تجهل كثيراً من الظواهر الاجتماعية والدينية واللغوية بحوض النيل. ولا تزال تجهل أيضاً كيفية تعليل تلك الظواهر أوضاعها
وأما قسم المحاضرات بالجمعية الجغرافية فإنه لم ينهض لتحقيق الغرض الذي أنشئ من أجله، إذا لم يعمل على تنظيم إلقاء المحاضرات العلمية التي تتناول في مجملها دراسة أحد الموضوعات والمشكلات التي هي وليدة البيئة المصرية وغيرها
ولعل سبب هذا الجمود الملحوظ من جانب الجمعية الجغرافية الملكية يرجع إلى أنها هيئة لم تشرف عليها الحكومة إشرافاً فعلياً لتخصص لها العلماء وتنفق عليها الأموال اللازمة لتحقيق غرضها العلمي كما جاء في برنامجها السالف الذكر. وما دام هذا هو شان هذه الجمعية فلا يحق لنا أن نعول عليها كثيرا وأن نحملها ما لا طاقة لها به من العمل على درس وتحليل البيئات الجغرافية والاجتماعية المختلفة الموجودة بحوض النيل، مع بدل الجهود في جمع وترتيب ما اشتملت عليه العناصر المادية لتلك البيئات. فضلاً عما يطلب