إليها من العمل على المساهمة في بناء علم الأتتولوجيا مع المؤسسات العلمية في البلاد الأجنبية
ثروة حوض النيل العلمية
حين يتجول المرء بحوض النيل من منبعه إلى مصبه، ومن شرقه إلى غربه، لا يكاد ينتقل من مكان إلى آخر دون أن يلحظ كثيراً من التشابه تارة، ومن التباين تارة أخرى، بين البيئات الجغرافية والاجتماعية المختلفة. فمن منطقة جبال وغابات وبحيرات في الجنوب، إلى منطقة تلال وصحار في الشمال. وكذلك نشاهد على ضفاف النيل وعلى روافده كثيراً من القبائل الزنجية عراة الأجسام مثل الأشولي والمادي والباري والشلوك والدنكا وغيرهم؛ وفي مناطق أخرى نجد قبائل أفرادها نصف عراة مثل الانجستا والبرتا والتعايشة وما إليهم؛ وفي شمال السودان ومصر نجد العرب والفلاحين وهم خليط من الدم السامي والزنجي وقليل من الدم الآري. ونلاحظ أن كل تلك الجماعات البشرية تختلف كثيراً فيما بينها من حيث التكوين الاجتماعي وعناصر التفكير والشعور واللغة وطرق الحياة؛ وأن من تلك الظواهر ما هو بسيط في تكوينه، ومنها ما هو كثير التعقد والتنوع؛ ولكل من هذه الأمم تاريخ قد يكون حديثاً فيرجع إلى مائة عام أو أقل، وقد يكون قديماً فيرجع إلى آلاف السنين
هذه هي حال الأمم والقبائل التي تسكن الآن حوض النيل. أما رجل ما قبل التاريخ والجماعات التي كونها والآثار التي خلفها فوق هذا الوادي فلا زلنا نجهل حقيقة أمرها. وإن بحوث جاك دي مرجان وهنري دي مرجان وفلندرز بتري وغيرهم تدلنا على أن من الممكن عمل دراسة وافية مقارنة لآثار ما قبل التاريخ بحوض النيل إذا تعددت البحوث وتوفرت الوثائق
من هنا يظهر جلياً ميزة الثروة العلمية الموجودة بحوض النيل، وأنها تفوق بكثير ما عداها من ثروات أوربا وآسيا واستراليا. فنرى مثلاً في أوربا نوعاً واحداً من المدنية هي المدنية الغربية الحالية، وفي استراليا نوعاً واحداً من المدنية كذلك وهي (المدنية المحدودة) وهكذا؛ ولكننا نشاهد بحوض النيل (مدنيات محدودة) عند الأشولي والمادي والأدك وغيرهم، ومدنيات متوسطة مثل مدنية شمال السودان وريف مصر، ومدنيات راقية مثل المدنية