بروعة الفن وقداسته. ذهب فيها الشاعر مذهباً جديداً من الفن الشعري، عرض فيه لسلطان الشهوات الكامنة، والنزعات الدفينة، والأحاسيس الملتهبة. وهو في عرضه لها صاحب نظرة صادقة لا يأخذ الحياة كما هي، بل يخلع عليها من إشعاع روحه ما يكيفها التكييف الذي يريد. . .
قلت: ومتى وصلت الحقائق والأخيلة إلى النفس على تلك الصورة المحكمة، وراضها بيان طيع، وصاغها شاعر ملهم، كان لها في النفس مستقر ومقام. وإنك لتدرك ذلك من نفسك فيما يقع لك من شعر بعض المعاصرين، فقد تقرع أذنك قصيدة أخاذة المظهر، رائعة العنوان، فلا تجد لها عاضداً من فكرة متحدة، ولا ضابطاً من منطق متماسك، فلا تنتهي منها حتى تصير عرضاً لفظياً يذهب مع الهواء، ولا يجد لنفسك مدخلاً. وقد تقع لك أبيات قليلة أو قصيرة فيها فكرة وفيها تماسك، فتحل من نفسك في الضمير، ولا يعييك أن تحتفظ بمعناها، بل لا يستعصي عليك متى (شئت) استظهارها