ثم يقول بعد ذلك إن الشعراء كانوا في الجاهلية الحكماء وأصحاب الرأي، وإن الشعر كان فيها من الصفات اللازمة للرجل الكامل حتى يدعى كاملاً، وإنه قيل على هذا الأساس إن الخلفاء الأربعة الراشدين كانوا شعراء أو كانوا على الأقل أصحاب علم بالشعر العربي القديم. ولقد عنى أهل السنة بالنص على علم عمر الواسع بالشعر، وكان عمر منافساً لعلي ومنازعاً له، فكان أن قال الشيعة بعلم علي بالشعر وحاولوا تصويره لنا في مستوى عال جداً أو على الأقل في مستوى مساوي لمستوى منافسه الخليفة الثاني
ولقد أظهر علي أثناء حياته السياسة جهلاً تاماً بأساليب السياسة أو قل بأساليب الحياة، وجاء في الحديث وصفُه بأنه محدود، ووصفه معاصره غير المتشيعين له بأنه تلعابة
وعلى الرغم من ذلك كله، فإن الشيعة لم يدخروا جهداً في إطراء علم علي. ولقد كان أهل السنة يمجدون عمر ويرون فيه الرجل المطلق، والمتمم العبقري لعمل محمد، والخليفة الذي لا تأخذه الأحداث على غرة؛ ولذلك وجدنا الشيعة يصورون بطلهم مخرجاً لعمر من حيرته وحرَج موقفه في الوقت المناسب بحصيف رأيه وصادق نظره. وكان الشيعة يدَّعون أن الله حبا عليًّا بتسعة أعشار العلم الإنساني، وقد بثُّوا هذا الإدعاء في حديث وضعوه، وادعوا أيضاً أشياء أكثر من هذا
هذه خلاصة الكلام الذي قاله لامانس قبل رده على المستشرق الإيطالي؛ ورأينا فيه أنه كلام متهافت لا يسند أوله آخره ولا آخره أوله، ونبين هذا فيما يلي:
١ - يشك لامانس في الشعر المنسوب إلى عليَّ في سيرة ابن هشام لما هو معروف من قلة شعراء مكة قبل الهجرة؛ ونحن إن قبلنا هذا الشك، فإننا لا نقبل الأساس الذي بُني عليه؛ وذلك لأننا نعرف أن علياً نشأ بنشأة الإسلام وترعرع في ظله فلم يكن وليد الجاهلية. وإنما كان وليد الإسلام. وعلى ذلك فإذا شككنا في الشعر المنسوب إليه في سيرة ابن هشام، لزم ألا يكون شكنا مبنيًّا على هذا الأساس الذي بنى لامانس عليه شكه، وإنما لزم أن يكون مبنيًّا على أساس آخر، كأن يكون مبنيًّا مثلاً على أن ابن اسحق الذي يروي عنه ابن هشام ممن لا يوثق بروايتهم للأشعار، أو يُعتمد عليها
٢ - يرى لامانس أن الخلفاء الأربعة الراشدين إنما زُعم إنهم شعراء، أو - على الأقل -