كان من المعتاد أن ترى في القاهرة طوائف من (الطفيليين) الذين يستفيدون من ضيافة مواطنيهم، فيعيشون على التطفل. إلا أن هذه الطائفة نقص عددها أخيراً. وكان من المؤكد تقريباً أن يوجد بعض هؤلاء الأبطال حيث تولم وليمة، ولا يمكن التخلص منهم إلا بنفحة من النقود. وهم يتجولون أيضاً في البلاد دون أن يملكوا فلساً واحداً، فيتطفلون على المنازل الخاصة كلما احتاجوا إلى طعام، ويسعون إلى ذلك بمختلف الحيل. وحكي لي أن طفيليين عزما على الذهاب إلى مولد السيد البدوي في طنطا، وهي على مسيرة يومين ونصف يوم من القاهرة سفراً هيناً، فسار الطفيليان الهوينى حتى بلغا قليوب في نهاية اليوم الأول وتحيرا في الحصول على عشاء، فذهب أحدهما إلى القاضي، وبعد أن حياه قال: يا مولانا القاضي. . . أنا في طريقي من الشرقية إلى مصر، ومعي رفيق في ذمته لي خمسون كيساً يحملها معه ويرفض أن يعطيني إياها، وأنا في حاجة إليها الآن. فقال القاضي: أين رفيقك؟ فأجاب المدعي: هنا في هذه المدينة. فأرسل القاضي من يحضر المتهم، وأمر في أثناء ذلك بإعداد عشاء طيب، إذ كان يتوقع رسماً كبيراً في قضية كهذه، وهذا ما كان يفعله قضاة الأرياف في مثل هذه الظروف. ودعا القاضي الخصمين إلى العشاء والمبيت قبل النظر في القضية. ونظرت الدعوى في الصباح، فسلم المتهم بوجود الخمسين كيساً معه وقال: إنه مستعد لردها لأنها تتعبه، فهي ليست غير أكياس الورق التي يباع فيها البن؛ ثم قال: نحن طفيليان. فطردهما القاضي غاضباً
إن اعتدال المصريين في الطعام والشراب مثالي. فقلما رأيت منذ قدومي الأول مصرياً في حالة سكر ما لم يكن عازفاً في سامر أو راقصة أو عاهرة من السفلة. ويبدي المصريون احتراماً عظيماً للخبز باعتباره سند الحياة. ولا يجيزون البتة التبذير في أصغر قطعة منه إذا استطاعوا تجنب ذلك. وكثيراً ما لاحظت بعضهم يرفع قطعة الخبز إذا سقطت عرضاً في الطريق إلى فمه وجبهته ثلاث مرات، ويفضلون وضعها على جنب لكي يأكلها كلب على أن يدوسها المارة. وقد روى لي كثيرون الحادث التالي الذي يدل على احترام المصريين للخبز إلى حد غير معقول؛ ولكن ينبغي القول أن هذه الرواية يصعب تصديقها: كان خادمان يتناولان طعامهما جالسين لدى باب سيدهما عندما أبصرا مملوكاً يتجه نحوهما