إنها مواكب من الحياة البهيجة تهادي في كل صيف، وتشهد بأن مصر مقبلة على فتوة مرحة سيزدهر بها الشعر والخيال
في هذه اللحظة صلصل الهتاف من الإسكندرية يحمل صوت الأستاذ محمد على حماد محرر مجلة الشعلة، وهو يستعجل مقالاً وعدته به عن الديوان الجديد للشاعر على محمود طه فابتسمت وقلت: وحي الشاطئ هو الذي أثار العطف على الملاح التائه، لطف الله به وهداه إلى الشاطئ الأمان!
إن مصر ديار بحرية، ديار تحيط بها البحار من أكثر الجوانب، وتجري بها الأنهار في كل جانب، ومع هذا تقل فيها الآداب البحرية والنهرية، فما هذا الجمود!
إن أسلافنا عاشوا بأفضل مما نعيش، فقد كانت في مدينة القاهرة مشابه من مدينة البندقية، يوم كانت القاهرة تتماوج بين الخلجان، ويوم كانت الملاهي بتلك الخلجان في أصائل الجمع والآحاد تزعج رجال الدين فيفتون بأن النزهة في السفائن حرام لا حلال!
كانت حياة أسلافنا شعراً في شعر، وكان للنيل في حياتهم وجود، ألم تسمعوا أنهم أحاطوه بطرائف من الأقاصيص؟
ومع هذا رأينا من يقول بأن (عروس النيل) أسطورة خلقها العرب لا الفراعين، وحجتهم أنها لم توجد في غير الكتب العربية. فإن صح ما قالوه فالعرب أبلغ في الشعر والذوق، لأنهم تخيلوا النيل فتى لا يعيش بلا عروس، وتلك وثبة من وثبات الخيال.
في القاهرة حي اسمه (بركة الرطلي)، فما تلك البركة في التاريخ؟
نقل الدكتور عبد الوهاب عزام في (مجالس السلطان الغوري) أن وصلها بالخليج الحاكمي في أيام الفيضان كان يوجب إعداد عروس تزف فيه نساء جميلات، وأن السلطان الغوري قد أستفتى الشيخ البلقيني فأفتى بأنها بدعة، وكل بدعة ضلال
ألا تكون عروس البركة صورة جديدة من عروس النيل؟
والشيخ البلقيني كان من ظرفاء المشايخ، وهو الذي قال بأن الميت يسال في القبر باللغة السريانية لا العربية، وفي هذا قال أحد الناظمين
ومن عجيب ما ترى العينانِ ... أن سؤال القبر بالسٌّرياني
أفتَى بهذا شيخُنا البُلقَيْني ... ولم أرهْ لغيرهِ بعَيْني