مقام الرثاء وموضع البكاء. ودليلنا على ذلك أن الطغرائي أَنِفَ أن يذكر زوجته في معرض رثائها فعبر عنها أكثر من مرة بقوله (ستيرته) والستيرة هي المرأة المستورة. وهذا الوصف يوحي بأن الشاعر قصد أن يجعل زوجته في ستر حتى على صفحات ديوانه المنشور
واشتهر من الأزواج الراثين لزوجاتهم مسلم بن الوليد. ويظهر أنه كان ينوي أن يعرض عن رثاء زوجته - على عادة الشعراء قبله - ولكن حادثاً معيناً أغراه برثائها وهاج أحزانه فسجلها في أبيات رائعة. ويلخص هذا الحادث في أن أصحابه لاحظوا عليه بعد دفنها شدة ألمه واستسلامه لأحزانه، فأرادوا لأن يحملوه على الشراب حتى يتسلى بالخمر عن مصابها فرد عليهم بقوله:
بكاء وكأس كيف يتفقان ... سبيلاهما في القلب مختلفان
دعاني وإفراط البكاء فأنني ... أرى اليوم فيه غير ما تريان
غدت والثرى أولى بها من وليها ... إلى منزل ناء بعينك دان
فلا حزن حتى تنزف العين ماءها ... وتعترف الأحشاء بالخفقان
وكيف بدفع اليأس والجد بعدها ... وسهماهما في القلب يعتلجان
ولابن الزيات الكاتب الشاعر وزير المعتصم والواثق العباسيين أبيات يرثي بها زوجته ويصور حال ولده منها وقد تركته طفلاً صغيراً، يقول فيها:
ألا من رأى الطفل المفارق أمه ... بُعيد الكرى عيناه تنسكبان
رأى كل أم وابنها غير أمه ... يبيتان تحت الليل ينتجيان
وبات وحيداً في الفراش تجنُّه ... بلابل قلب دائم الخفقان
فلا تلحياني إن بكيت فإنما ... أداوي بهذا الدمع ما ترياني
ومن الشعراء من يتخذ له جارية أو أكثر وفق ما كان مألوفاً في زمانهم وجارياً عليه عهدهم؛ فإذا ماتت جارية من هؤلاء وكانت عزيزة على الشاعر حبيبة إلى نفسه رثاها كما نرثي الزوجة، وقد يذرف عليها من ساخن عبراتهما يعبر عنه شعره. كما فعل أبو تمام في رثاء جارية له يقول فيها:
أصبت بخود سوف أغبر بعدها ... حليف أسى أبكى زمانها