على أننا نفرض أن النصوص في كتب النحو لا تقرر هذه القاعدة ولا تثبتها على الوجه الصريح الذي قدمناه
بل نفرض أن النصوص قد وردت بمنع (حانق) وما شابهها وجزمت بخطئها على طريقة النحاة أحيانا في تخطئة بعض الصيغ والأوزان، فمن الواجب في هذه الحالة على خادم اللغة العربية أن يخالف النحاة ويخالف السماع الناقص تكملة له بالقياس الصحيح الذي لا محيد عنه
إذ ليس من حق لغة من اللغات أن تضطر كاتباً بها إلى الأخطاء في معناه
وليس من حق لغة من اللغات أن تبطل الفارق بين معنيين مختلفين ثم تمنعنا أن ننشئ هذا الفارق لضرورة الصدق في التعبير
فهناك فارق بين من يحنق من حادث يعرض له وبين من يلازمه الحنق في طباعه وأخلاقه
فإذا قلت عن رجل إنه (حَنِق) وعنيت به أنه دائم الحنق كما تدوم الصفات المشبهة؛ فمن الواجب أن أقول:(هو حانق من كذا)، إذا كان الحنق يفارقه بعد ذلك، ولا يلازمه في طباعه وأخلاقه
وإذا قلت إنه (حنق) وعنيت به ما نعني باسم الفاعل وجب أن نقول شيئاً آخر إذا عنيت أنه متصف بطبع الحنق في عامة أوقاته
وليس في وسع لغة ولا في وسع اللغات جميعاً أن تفرض على كتابها الخطأ واللبس في التعبير، ثم تصدهم عن تصحيح الخطأ وجلاء اللبس بتصرف لا يخرج بهم عن قياسها ولا يخل بأصولها المرعية في أعم ألفاظها
فالنص يجيز الصيغة والقياس يوجبها عند منع النص وهو بحمد الله غير مانع
وإننا لخلقاء أن نغبط أنفسنا على أن اللغة العربية (منطقية) في إجراء القواعد على الأوزان حيث تتشابه المعاني وتتخالف أوزان ألفاظها
فقد يحمل الشيء على غيره في المعنى فيجمع كجمعه. وانظر مثلاً ماذا بلغ من هذه النزعة (المنطقية) في أوزان الجموع وهي التي لا تجري على وزن واحد كصيغة اسم الفاعل؛ فليس في اللغة (هليك) بمعنى هالك ولا جريب بمعنى أجرب أو جربان أو جرب، ولكنهم يقولون هلكي وجربي قياساً على قتلي وجرحي ولدغي، لأنه جميعاً تدل على داء أو بلاء،