وهذا هو منطق النحو العربي الذي ينطلق أحياناً مع المعاني ولا يتحجر أبداً مع الحروف
أما (فشل) بمعنى أخفق فلها حكم آخر. فهذه الكلمة من الاستعمال الحديث الذي شاع حتى غطى على معنى الكلمة القديم، مع تقارب المعنيين حتى ليجوز أن يحمل أحدهما قصد الآخر، لأن التراخي والضعف والخواء قريبة كلها من الحبوط والإخفاق
وتجد المعاني على حسب العصور سنة لا تحيد عنها لغة من اللغات، وفي مقدمتها اللغة العربية
فلو أننا أخذنا ألف كلمة من المعجم وتعقبنا معانيها في العصور المختلفة لما وجدنا خمسين أو ستين منها ثابتة على معنى واحد في جميع العصور
وربما غلب المعنى الجديد وبطل المعنى القديم وهو أصيل في عدة كلمات
خذ مثلاً كلمتي الجديد والقديم، وكيف ظهرا، ثم كيف تحولا إلى الغرض الذي نعنيه الآن.
فالثوب (الجديد) هو الثوب الذي قطع حديثاً من جده فهو جديد أو مجدود، وكانوا يقطعون المنسوجات عند شرائها، كما نقطعها اليوم، فيسمونها جديدة من أجل ذلك
ثم نسيت كلمة الجديد بمعنى المقطوع فلا ينصرف إليها الذهن الآن إلا بتفسير أو تعيين، وأصبحنا نعبر بالجدة عن أمور لا تقطع ولا هي من المحسوسات، فنقول: (المعنى الجديد) والفكر الجديد، وما شابه هذه الأوصاف
وكانوا يقولون تقدم فلان أي مشى بقدمه، ثم ضمنوا تقدمه بمعنى سبقه، فأصبح السابق هو القديم، وأصبح الزمن القديم هو الزمن السابق، كما نفهمه الآن
وقد نسى الناس (كتب البعير) بمعنى قيده، وأطلقوها اليوم على الخط في الورق، وهو في الأصل مستعار من التقييد ونسى الناس (خجل البعير) بمعنى تحير واضطرب، وأصبحوا يستعملونها (للحياء) الذي شبه بالخجل، لأنه يدعو إلى الحيرة والاضطراب
وكل أولئك لا ضير منه على اللغة كما رأينا، بل هو مادة إنشاء وابتكار وتنويع
والأستاذ الفاضل (أبو رية) يأخذ بالشيوع قاصداً أو غير قاصد حين يقول (المعاجم)، وهي جمع معجم بضم الميم، والمعجمات هي الجمع الذي يرتضيه المتزمتون ولا يرتضون غيره
إلا أنني هنا أنكر الإباحية العمياء، كما أنكر التزمت الأعمى
وعندي أنه لا يصح إلا ما أمكن أن ينطوي في قاعدة من القواعد المعروفة، أو أن يؤدي