المعنى أداء لا يناقض العقل والقياس
ومن أمثلة ذلك أنني كنت أشهد منذ أيام رواية (قيس ولبنى) للشاعر المجيد عزيز أباظة بك، فأعجبت بسلامة اللغة وصحت العبارة، ولكني لاحظت أنه استعمل كلمة (تضحية) بمعنى فداء أو خسارة، كما نستعملها نحن الآن
والتضحية عند العرب هي ذبح الشاة أو غيرها في وقت الضحى
ثم أخذت معنى الفداء أو القربان، لأن الناس ينحرون ذبائحهم في الضحى يوم عيد النحر الذي عرف من أجل ذلك بعيد الضحية
فإذا كنا نحن المتكلمين - ونعني أبناء العصر الحاضر - فلا ضير من تضمين الكلمة هذا المعنى بعد أن أخذته باستعارة معقولة، وكسبته بالاستعمال المتفق عليه بيننا
ولكننا إذا جعلنا العرب في عصر (قيس ولبنى) يستعيرون هذا المعنى، وهم لم يستعيروه فذلك خطأ في التاريخ وليس بخطأ في اللغة وكفى
والاعتراف (بالتطور) في المعاني والاستعارات لا يقتضي أن نخالف الحقيقة التاريخية
على أنني حين استعملت كلمة فشل لم أكد أخرج بها عما اصطلح عليه الأولون
فقلت: (يحاول الغلبة من حيث فشل)، ولو جعلت فشل هنا بمعنى ضعف لكانت مقابلة للغلبة أحسن مقابلة
وقلت: (ولا طائل في البحث عن علة هذا الخذلان الصريح، أكان هو الطمع في الملك بعد فشل علي، أم النقمة على الأشتر). فلو أنك قلت بعد (ضعف) علي لاستقام هنا التعبيران القديم والحديث
وكذلك قولنا: (مني بالفشل لأنه عمل بغير ما أشار به أصحابه الدهاة)؛ فإن التعبيرين فيه يتلاقيان
كذلك قولنا: (ولكنها خطة سلبية لا يمتحن بها رأي ولا عمل، ولا ترتبط بها تجربة ولا فشل)
فليس المتزمت قديم أن ينكر موقع هذه الكلمة في حيث وضعناها من هذه العبارات كلها، إن كنا مع هذا لا نحرم إطلاقها على معنى الإخفاق الذي لا يحتمل تأويلاً بمعنى آخر؛ وكل ما ننكره أن نأتي بكلمة (فشل) فتطلقها على معنى القوة والنجاح، أو معنى يناقض الضعف