ولا يجوز عنده أن تكون محاربتنا له لوجه الله، فلم يبق إلا أن يقول أننا نلتمس الشهرة عن طريق التعرض له والطعن فيه
إن كل ذلك كذلك، فلماذا تركنا الدكتور كل هذه السنين يبدي ويعيد في الأخلاق وغير الأخلاق مما يتصل بالدين اتصالاً وثيقاً أو غير وثيق، من غير أن نتعرض له إلا مرتين يفصلهما خمس سنين: الأولى حين ختم كلمة له في نعيم الجنة بذلك الدعاء الماجن: (اشغلني عنك يا رباه بأطايب نعيم الجنة، فإن نظري لا يقوى على نور وجهك الوهاج). والثانية حين كتب مقاله:(أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) الذي أنكره ابتداء، حين حوسب على بعض ما فيه، ثم أقر به لما أيقن أن لن يصدقه أحد في الإنكار، كالرجل الذي يتبرأ من ولده الجاني وينكره ثم يستلحقه إذا وجد عار الإنكار أكبر من عار الإقرار. . . مناسبتان اثنتان بينهما خمس سنوات لم نتعرض للدكتور إلا فيهما في عمر الدكتور المملوء بما يؤاخذ عليه في الأدب والأخلاق والدين. فهل لم يكن بنا حاجة إلى الشهرة طوال تلك الأعوام لنلتمس التحليق في جوها على جناحه المتين؟
وقد وقع الرجل على حيلة أخذها عن صديقه الشيطان هي أن يسمى المسميات ضد أسمائها ليدخل على بعض النفوس عن طريق الإيحاء. فستر الإنسان جسمه بالثياب رياء واعوجاج في الضمير؛ والدعوة إلى تعريته دعوة إلى الحياة؛ واحتضان الفتاة للفتى هو مثال الفرح النبيل؛ وهجوم الفتاة على الفتى طاعة لغريزة كريمة؛ وانتهاب الجمال هو في ذاته شكران لواهب الجمال؛ والشيطان مخلوق شريف؛ والأديب الحق يستبيح في عتاب الأقدار ما لا يباح؛ وبعض الكفر إيمان ولكن أكثر الناس لا يفقهون؛ إلى آخر ما هنالك
ولست في شيء مما كتبت أو أكتب عن هذا الرجل متجنياً عليه أو مبالغاً، فتلك المعاني التي نسبتها إليه آنفاً ليست من عندي ولكن من عنده. هي بعض عباراته تشهد عليه، وبعض بضاعته ترد إليه
وحيلة أخرى لهذا الرجل أن يلقى إليك المعنى الذي يعرف أنك تأباه مقروناً بمعنى أنك ترضاه ليسهل عليك بهذا قبول ذاك، أو على الأقل ليوقفك موقف المرتاب. فتراه مثلاً يقول لك:(انتفع الصوفية بسماحة الإسلام، وهو دين يأبى أن يكون بين المسلم وربه وسيط، فقرروا أنهم أرفع من الأنبياء. وهذا كفر بظاهر القول، ولكنه في الجوهر غاية الإيمان)!