للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فانظر كيف رتب على المعنى الذي يعرف أنك ترضاه معنى يعرف أنه لو ألقاه إليك مجرداً لا بيت عليه، ولنبذت إليه. والمعنى الذي ألقاه معنى ذو نتوء كرأس إبليس. ظاهره أن الصوفية يضعون أنفسهم فوق مرتبة النبوة، لأنهم أعرف بالله وأرعى له من الأنبياء، وباطنه أن ليس بهم ولا بك إذا ارتقيت مثلهم إلى الأنبياء حاجة، وإلا كان بينك وبين الله وسطاء، والإسلام يأبى أن يكون بين المسلم وربه وسيط؛ فتلك هي في رأي زكي مبارك سماحة الإسلام وبها انتفع الصوفية! والرجل يكذب في الحالين على الصوفية وعلى الإسلام. فلا الإسلام يهدم نفسه بسماحة حمقاء كالتي نسبها إليه زكي مبارك، ولا الصوفية بلغ بهم الغرور أن يروا أنفسهم فوق الأنبياء

ومثل آخر من نفس الباب قوله: (وفي طلب السلامة من أذى السفهاء. قال الرسول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة). . . والعدل يوجب أن يكون ما يترك الأنبياء ميراثاً حلالاً لأبنائهم، ولكن الحرص على قطع ألسنة المتزيدين هو الذي أوجب أن يحرم الأنبياء أبناءهم من ذلك الميراث. وذلك ظلم جميل!) هكذا يقول زكي مبارك، وهكذا يقدم لقرائه في هذا الكلام قنبلة ملفوفة تكفي لنسف أي إيمان

دعك مما في كلامه هذا من مثل (جميل) و (رسول) (وأنبياء) و (قطع ألسنة المتزيدين) وتأمل ما وراء ذلك تجده يريد أن يدخل في نفسك أن ترك الأنبياء أموالهم كلها صدقة شيء فعلوه من عند أنفسهم لا بأمر ربهم، وأنهم بذلك خالفوا العدل ووقعوا في أقبح الظلم، ظلم الأنبياء. ومن أجل ماذا؟ من أجل السلامة من أذى السفهاء وقطع ألسنة المتزيدين، أي من خوف الناس! وماذا يبقى من مبدأ عصمة الأنبياء بعد هذا؟ لا شيء عند من يقبل من زكي مبارك هذا الكلام، وعلى دينه العفاء!

وإذا رجعت إلى حديث الرسول صلوات الله عليه - وزكي مبارك حرف المعنى ولم يحرف اللفظ - تجده يحتوي على الحجة المبطلة لكل ما ذهب زكي مبارك إليه، وهي قول الرسول (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) بصيغة التعميم لا بصيغة التخصيص. فلو صدق ذلك على بعض الأنبياء دون بعض لما كان من سنن النبوة، ولكن من رأي ذلك البعض، ولجاز ولو من بعيد ما زعمه زكي مبارك. أما وهو صادق على الأنبياء أجمعين فلا بد أن يكونوا فعلوه عن أمر الله لا أمر أنفسهم، لاطراده فيهم على اختلاف الأزمان - والاطراد

<<  <  ج:
ص:  >  >>