وما كان لأبي بكرة أن يفعل مع المغيرة ما فعل، فيتجسس عليه في بيته، ويطلع ضيوفه على أمور يجب فيها الصون، بل كان يجب عليه أن يكف نظره عما شاهد، ولا يحاول استقصاءه وتفصيله، لأن المغيرة لم يشتهر بانتهاك الحرمات، وقد كان من العقل والشرف بحيث يجل مقامه عن ذلك، وكانت امرأته معه في بيته؛ فكان عليه أن يحمل ما رآه عليها، ويكف نظره سريعاً عن ذلك الأمر الذي لا يجوز له أن ينظر إليه
ولو صح أن المغيرة فعل ما شهد به أبو بكرة، لكان عليه أن يستر ذلك عليه هذه المرة، ثم ينصحه فيما بينهما، أو يخبر عمر في السر بما رأى، ولا يجتهد في إقامة الحد عليه ذلك الاجتهاد الذي ينافي أصل تشريعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب، وقال أيضاً: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يبدي لنا صفحته تقيم عليه كتاب الله عز وجل. وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم وعن كثير من الصحابة أنهم كانوا يلقنون المقر ما يسقط الحد عنه، وقد أخذ بهذا جمهور الفقهاء؛ وذهبت المالكية إلى أنه لا يلقن من اشتهر بانتهاك الحرمات
وقد قال ابن حزم في كتابه مراتب الإجماع: والشهود الأربعة إذا شاهدوا الزنا كان أولى في حقهم الستر بحكم الأخوة، ويكونون كأنهم لم يشاهدوا موافقة لمن لم يشاهد؛ فإن الله تعالى ستر على عبده حيث لم يطلع على قبيح فعله جماعة أكثر من الأربع، فلو اختاروا الستر ووافقوا من لم يطلع كان هذا أحق، وبالأخوة أليق، لكن لم يفترض الستر عند تمام الحجة، إذ لو وجب ذلك لم يبق لشرع الحد قاعدة