ألا يفضح الله به رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يفصح زياد شهادة الزنا وقال: رأيته جالساً بين رجلي امرأة، ورأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، وإستين مكشوفتين، وسمعت حفزاً شديداً فقال له عمر: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا. فقال له: هل تعرف المرأة؟ قال: لا ولكن أشبهها
فلم يثبت الزنا بذلك على المغيرة، لأنه لا يثبت إلا بأربعة شهود يشهدون به شهادة صريحة، كشهادة أبي بكرة وشبل ونافع، فانقلب بذلك الأمر على هؤلاء الثلاثة، وعدت شهادتهم قذفاً بالزنا، وقد أمر بهم عمر فجلدوا حد القذف، ولما رآهم المغيرة قال لعمر: اشفني من الأعبد. فقال له عمر: أسكت أسكت الله نامتك، أما ولله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك
ولما كان الله تعالى يقول في القاذفين (والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) جمع عمر الثلاثة فقال لهم: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل، ومن لم يفعل لم أجز شهادته. فأكذب شبل نفسه، وأكذب نافع نفسه وأبى أبو بكرة أن يفعل لأن فعل عمر به بلغ منه ما بلغ وقد حقد على أخيه زياد مخالفته له في الشهادة، فلم يكلمه بعدها
وقد يستغرب القارئ تلويج عمر لزياد بمخالفة الثلاثة في الشهادة على المغيرة، لأن مقام الحاكم يقتضي منه أن يساعد على كشف الجريمة لا على سترها، حتى لا يفلت المجرمون من يد العدالة، فيأمن الناس شرهم، ويستقيم بذلك حالهم، كما يستغرب مؤاخذة أولئك الشهود الثلاثة مع هذا بالقذف، وإقامة حده عليهم، وحملهم على تكذيب أنفسهم، حتى تقبل بذلك شهادتهم في المستقبل
ولكنه إذا رجع إلى الأصل في تشريع تلك الحدود وزال منه ذلك الاستغراب، لأن الشارع في تشديده في تلك الحدود يقصد الإرهاب أكثر من التنفيذ، ولهذا قيد تنفيذها بقيود تجعلها لا تقع إلا في النادر، وإلا حين تتعين لحسم شر تفاقم أمره، ولا يجدي غيرها في علاجه، كأن يشتهر شخص بانتهاك الحرمات، فمثل هذا يجب على الإمام أخذه بتلك الحدود، ولا يصح أن يعمل على إسقاطها عنه