فنام النبي صلى الله عليه وسلم ليلته فرأى رؤيا، فلما اصبح قال: والله إني قد رأيت خيراً: رأيت بقرة تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة. فأما البقر فناس من أصحابي يقتلون، وأما الثلم الذي رأيت في سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل، وإني رأيت أن تقيم بالمدينة وتدعوهم ينزلون حيث نزلوا، فان أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم ورموا من فوق البيوت
وكانوا قد شبكوا المدينة بالنبال من كل ناحية، وجعلوا فيها الآطام والحصون، فكانت حصنا قويا لأهلها، وكان الرأي أن يقيموا فيها، كما فعلوا بعد ذلك في غزوة الأحزاب فلم يقو المشركون على اقتحامها على المسلمين، وكانت جموعهم فيها أكثر من جموعهم في غزوة أحد
فقال أولئك القوم الذين أسفوا على ما فادتهم من مشهد بدر، وغالبهم أحداث لم يمكنهم أن يشهد تلك الغزوة الكبرى، فاحبوا لقاء العدو وطلبوا الشهادة فأكرمهم الله تعالى بها: يا رسول الله، إنا كنا نتمنى هذا اليوم، اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا
وقد رأى عبد الله بن أبي رئيس المنافقين تلك الرغبة الصادقة في القتال من أولئك الشبان، فساءه هو ذلك منهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا إلى عدو لنا عدو قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله، فأن أقاموا أقاموا بشر مجلس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا خائبين كما جاءوا
ومال هذا لا يحمد من عبد الله بن أبي وإن وافق فيه النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الحق ليس في كلمة القتال، ولا في فعل يظهر بين الناس، بل لابد من هذا من صدق النية، وحسن المقصد، وقد عول الإسلام على النية في الأقوال والأفعال اكثر من التعويل على الأقوال والأفعال في ذاتها، حتى أثر قي ذلك القول المشهور: نية المرء خير من عمله
فلما سمع أولئك الشبان ذلك القول من عبد الله بن أبي لم يأبهوا له، واجتهدوا في حمل النبي صلى الله عليه وسلم على رأيهم، وقال حمزة وسعد بن عبادة والنعمان بن مالك وطائفة من الأنصار: إنا نخشى يا رسول الله أن يظن أعداؤنا أنا كرهنا الخروج جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جراءة منهم علينا. وزاد حمرة: والذي انزل عليك الكتاب، لا أطعم اليوم