طعاما حتى أجالدهم بسقي خارج المدينة. وقال النعمان: يا رسول الله، لا تحرمنا الجنة، فوالذي نفسي بيده لأدخلناه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: له. فقال: لأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت. وقد استشهد رضي الله عنه في هذه الموقعة
وقد نظر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الذين يرون من أصحابه رأى أولئك الشبان أكثر من الذين يرون رأيه، فنزل طائعا على رأي ذلك الفريق الذي كان أكثر عدداً، وترك رأيه إلى رأيهم، وهو الرئيس الأعلى والرسول المبعوث إلى الناس كافة، لأنه رأي أن من يوافقه في الرأي اقل عدداً من الفريق الأول، فلم ينظر إلى شخصه في ذلك الخلاف، وإنما نظر إلى التشريع الذي يجب أن يسن في تلك الحادثة من الشورى التي شرعها في الإسلام، ليستقيم للمسلمين أمرهم فيها، ولا يقعوا في ذلك التعصب الأعمى للرأي، فتنقلب نعمة الشورى نقمة، ويضل الناس بها سبيل الحكم الصالح، وبهذا علم المسلمون أنه يجب عند اختلاف الرأي في الشورى أن ينزل الفريق الأقل عدداً على رأي الفريق الأكثر عدداً، وإن كان يرى انه رأيه هو الأرجح، لأن مخالفة الكثرة اشد ضرراً، وكما يجب تقديم النافع على الضار، يجب تقديم الأخف ضرراً على الأشد ضرراً ولما نزل النبي صلى الله عليه وسلم رأى تلك الكثرة صلى بالناس الجمعة، وثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد في التأهب للقتال، واخبرهم بأن لهم النصر ما صبروا، ففرح الناس لذلك فرحا شديداً، ثم صلى بهم العصر وقد حشدوا، وحضر أهل العوالي وهي القرى حول المدينة من جهة نجد، فدخل حجرته ولبس عدته، وتقلد السيف، وألقى الترس وراء ظهره
وقد اصطف الناس ما بين حجرته إلى منبره ينتظرون خروجه، فقال لهم سعد بن معاذ واسيد بن حضير: استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج، وقلتم له ما قلتم والوحي ينزل عليه من السماء فردوا إليه الأمر
ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد لبس لأمته، وتقلد سيفه، فندموا جميعاً على ما صنعوا، وقالوا: ما كان لنا أن نخالفك، فاصنع ما شئت، وفي رواية - ما بدا لك - وفي أخرى - فإن شئت فاقعد
وإنه لا يثار جميل من تلك الكثرة، ولم يحملهم عليه إلا بدء النبي صلى الله عليه وسلم