للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مشوهة فيقحمها عليك إقحاماً، فإن غيرت مجرى الحديث لتصحح له نصوصه عاند وأصر على أن الصحيح ما يقول، فلا مناص إذاً من أن تجد نفسك وإياه وقد خضتما في حديث جديد لتنقلا منه بنفس الطريقة إلى غيره ثم إلى غيره، وحينئذ ينظر إليك نظرة الظافر، ويبتسم ابتسامة من يرثى لضيق عقلك وقلة اطلاعك، وإنه لأهون عليك ألف مرة أن ترضى بذلك من أن تسايره في جدله

وإنه ليلتفت إلى متحاورين في المجلس فما أسرع ما يجعل من نفسه خصماً ثالثاً وما سأله أحد رأيه. وإنه ليسفه كلا الرأيين المتجادلين، فما تدري ماذا يريد، ثم يهجم هجومه على أسلوبه العتاد، فهذا الرأي أضعف ما قيل في هذه المسألة، وذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، وقول فلان هذا يرفضه أبسط متعلم، ولا يجوز عند أقل الناس إلماماً وأضعفهم إدراكاً، وإن الرأي الصحيح بل أدق الآراء واحذقها هو ما ذكره العلامة فلان والفيلسوف علان في كيت وكيت من الكتب. وإنه ليرتعش من جميع نواحيه وتهتز أطرافه من فرط تحمسه، وتتعاقب الصفرة والحمرة على محياه الكريم، بحيث لو دخل زائر في هذه الحالة لما شك أنها معركة تبودلت فيها أقذع التهم وأفحش المطاعن

وإنك لتقرأ في وجهه العجب والغضب من أنك تطاوله، فضلاً عن أن تنكر عليه ما يقول، فهل قرأت مثل ما قرأ أو بعضه؟ وكيف لا تؤمن بطول باعة ورسوخ قدمه، وإنك لتراه يتناول كل معضلة ويجادل في كل فن ولا تغرب عن ذهنه صغيرة ولا كبيرة من المسائل، فإن تكلم في المجلس اقتصادي انبرى له، وإن تحدث لغوي وثب عليه، وإن جادل سياسي أخذه من أقطاره، وإن شرح طبيب سبب علة أبان له وجه الخطأ فيما يقول، وإن أرخ مؤرخ لحادث شهده بنفسه أو روى حديثاً عن عظيم طواه الموت جابهه بما يشبه التكذيب لأنه لا يمكن أن يعتقد وقوع ذلك فإنه أبعد ما يكون عن العقل وأضعف سنداً من أن يعتمد عليه.

وبعد فما كانت الحماسة عيباً، وإننا معشر المصريين لمن أكثر بني الدنيا تحمساً في معظم الأمور، وإنما هو هذا المنظار اللعين يأبى إلا أن يستخرج من هذه الحماسة الشائعة ما يسوقه مساق التندر والمعابثة، وهذه صورة منها سوف تعقبها صور

الخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>