يرى ماكفرسون أن الموالد ظاهرة اجتماعية عريقة في القدم، ترجع أصولها إلى احتفال المصريين القدماء بأعياد آلهتهم - مثل أوزيريس وعيد عروس النيل وغير ذلك من الأعياد السنوية التي يمكن اعتبارها موالد من باب التجوز. إنما ظهرت الموالد - بمعناها المتعارف عليه الآن - في مصر الإسلامية في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)؛ وقد كانت في أول أمرها احتفالات دينية شعبية محضة، ثم أخذت تكتسب الصفة الرسمية بعد ذلك شيئا فشيئا ابتداء من القرن التاسع الهجري حتى لم يعد يباح الآن الاحتفال بمولد أحد الأولياء إلا بعد الحصول على ترخيص خاص من وزارة الداخلية (وزارة الشؤون الاجتماعية الآن)؛ بل أخذت الهيئات الحاكمة ذاتها تشارك الشعب في هذه الاحتفالات - وخاصة بمولد النبي (صلعم) إذ يشترك فيه رجال الإدارة ويحضره الملك نفسه أو من ينوب عنه. ومن هنا يتضح أن الموالد مظهر شعبي عظيم يمثل ناحية هامة من الحياة الروحية عند الشعب المصري. ولكن مع أهمية هذا المظهر الذي يطبع مصر بطابع خاص فريد نجد أن هناك بعض حركات مضادة ترمي إلى القضاء على الموالد ومنع الاحتفال بها.
ولعل أكبر حركة ضد الموالد هي الحركة التي يقوم بها جمهرة المتعلمين في مصر ممن تشبعوا بروح الثقافات الأوربية المختلفة حتى أضلتهم وأعمتهم عن مظاهر الحياة الشرقية وما هي عليه من روعة وجلال؛ فشوهت نظرتهم إلى الموالد حتى اعتبروها مظهرا من مظاهر الحياة البدائية المتأخرة التي يجب أن تتخلص مصر منها سريعا أن أرادت لنفسها أن تساير ركب الحضارة الحديثة ولا تتخلف عنه. وينعى ماكفرسون على المتعلمين هذه النظرة الخاطئة المشوهة، فالموالد قبل كل شيء وعلى الرغم مما قد يشوبها من ضروب الرقص وأفانين الشعوذة البدائية تمثل ناحية لها خطرها من حياة الشعب وأفكاره وأعياده، تنفرد بها مصر دون غيرها من الأمم - حتى الأمم الإسلامية نفسها التي لا تتمثل فيها الموالد بمثل هذه الروعة التي تظهر بها في مصر. أضف إلى ذلك أن هذه الموالد ليست بدعة جديدة في مصر حتى نقضي عليها ونستريح منها، إنما هي - كما ذكرنا من قبل - أعياد قديمة تمت إلى تاريخ مصر القديم بصلة قوية، فهي بالتالي جزء جوهري من مقومات الروح المصرية، وعلى ذلك فلاشك أن مصر لابد أن تخسر خسرانا مبينا وتفقد