ولست أدري إن كان هذا القول يسره أو يغضبه. ولكنه هو الواقع - في تقديري - فهو حين يكتب بحثاً في مقال تتجلى أفضل خصائصه من الدقة والعمق والوضوح، والإحاطة بأطراف موضوعه، وتحليلها للقارئ، بحيث تعطيه الكفاية التي يستريح إليها في حيز محدود؛ وبحيث يشعر أن في هذا الفصل غناء، ما لم يكن هواة المراجع المطولة في الموضوع الذي يطالعه
فهو كاتب مقالة جيد، بل هو في الصف الأول عندنا من كتاب المقالة.
ويحسن أن أصوب هنا خطأ أو بدعة يروّجها من يفهمون الأدب كما يفهمه عشاق الأزياء و (الموديلات)!
لدينا طائفة من هؤلاء يفهمون أن لفنون الأدب مواسم ومواعيد، ولكل فن أو لكل (موديل) باباً معيناً لا يتعداه.
فأدب المقالة قد انتهى في عرف هؤلاء المتحذلقة، كما أن الأوان هو أمان القصة، وكل ما ليس بقصة فهو فصل وتخلف في الأدب.
وفي وقت ما كان المطلوب من الأدباء أن يكتبوا تراجم أو يوميات. وكان المطلوب من الشعراء أن يكتبون ملاحم أو مسرحيات! كما يطلب من الأدباء اليوم أن يكتبوا قصة أو أقصوصة، وإلا فهم متخلفون!
كل هذه الحذلقات منشؤها ضيق الأفق وضعف التذوق، والنظرة إلى الأدب كالنظرة إلى الأزياء كما أسلفت، لكل موعد وإبان!
والحقيقة أن لكل لون من ألوان الأدب موسمه الحاضر في كل آن، والعبرة هي بطريقة التناول لا بشكله، وكل ميسر لما خلق له، وكل أدب أصيل في ذاته فهو أصيل في شكله على تعدد الأشكال وتباعد الأعصار، والمفاضلة بين فنون الأدب على أساس الشكل الذي تؤدي به مفاضلة زائفة، فالفنون كلها من هذه الناحية سواء
وإذا لم يكن بد من المفاضلة، فإنني أحس أن كتابة (المقالة) قد تكون أشقها جميعاً. إذا أردنا أن نحصل على مقالة جيدة، فلا بد في المقالة من فكرة وموضوع، ولا بد من تنسيق داخلي في تسلسل الموضوع، لا يقل عن التنسيق الخارجي بين الفصول المتعددة في الكتاب أو القصة أو المسرحية أو في الترجمة. وأقل فراغ في المقالة أو تقصير يظهر للقارئ بارزاً،