للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في حين قد تختفي هذه المواضع في القصة، لأن الحكاية أو الحبكة تغطي عليها.

ولا أحب أن أرتكب الغلطة ذاتها التي يقع فيها من يفاضلون بين فنون الأدب على أساس الشكل الذي تؤدي فيه. ولكني أريد أن أقول: إن أدب المقالة ليس أسهل ولا أقل مؤنة من سائر الآداب.

ونعود إلى كتاب الأستاذ أدهم، فأقرر أنني خرجت من كل فصل من فصوله بفكرة واضحة كاملة عن موضوعه - بمقدار ما تستطيع (مقالة) أن تحيط بحدود الموضوع - وكل فصل من هذه الفصول لا يقف عند إعطاء فكرة عن الموضوع الذي يعالجه، بل هو يصلح مرجعاً قريباً للباحث في موضوعه، وعلى الأقل مفتاحاً لمراجعه ودليلاً إلى هذه المراجع مأمون الإشارة، موثوقاً بصدقه في الهداية إلى الطريق!

ويشعر القارئ - مع سهولة الأداء ودقته ووضوحه - بأن هناك جهداً ضخماً قد بذل في التحضير، وإخلاصاً للبحث قد توافر في المراجعة، وتثبتاً وتدقيقاً أمام الجزئيات التي يعرض لها. . . وهذه الخصائص هي أقوى ما تطلبه من كاتب يقدم لك قطافه من شتى حدائق الفكر في الشرق والغرب في حيز صغير محدود

كذلك يشعر القارئ في نهاية قراءته للكتاب أنه خير منه وأوسع نظرة إلى الأدب والأشخاص والحياة قبل أن يقراه - وهذه ميزة ليست بالقليلة، وليست كذلك بالشائعة في الكثير مما تخرجه العربية من سيل الكتب في السنوات الأخيرة - بل لا أبالغ إذا قلت: إنها لا تتوافر إلا لعدد محدود من الكتب الكثيرة التي تصدر في كل عام.

ومع أن طبيعة الموضوعات التي تناولها الأستاذ علي أدهم تجعل مجال الخلق الفني فيها محدوداً، إلا أنها استعاضت عن هذه السمة سمات أخرى من الدقة والعمق والوضوح تجعلها في النهاية عملاً فنياً في هذا الحيز المعلوم، وبخاصة ذلك الفصل القيم الذي كتبه عن أبي العلاء، فهو من أفضل ما قرأت عن المعري في القديم والحديث، وقد جاء في مقدمة المؤلف قوله:

(عمل المفكرين والفلاسفة هو إعداد الجو الذي يموج بمختلف الآراء والمذاهب والنظريات. ومن طبيعة القوة الخالقة أنها لم تكشف الأفكار ولا تبتكر النظريات، ولا توجد المذاهب الفكرية، لأنها موكلة بالبناء والتركيب والإنشاء، وليس من أربها الكشف والتحليل

<<  <  ج:
ص:  >  >>