والتوضيح والتفسير. فهي تتناول الأفكار والمذاهب والنظريات، وتنفخ فيها روح الحياة، وتضفي عليها الحلل السابغة والألوان الزاهية، ولكي يزدهر الأدب ويسمو الفن، لا بد من وجود هذا الجو المليء بالأفكار، الحافل بالمذاهب والنظريات. ومن ثم كانت أزمة الخلق الأدبي العظيم في تواريخ الآداب قليلة نادرة؛ وبلوغ هذه الذروة في الأدب والفن يستلزم تلاقي قوتين: قوة العبقرية الخالقة، وقوة الزمن. والشاعر أو الكاتب أو الفنان يسمو ويتسع أفقه إذا عرف أشياء قيمة عن الحياة والدنيا قبل أن يتناولهما في فنه؛ والتفكير الفلسفي يجدي على الأدب ويزيد ثروة الخيال، ويعين على إطلاق العقول من قيود الأهواء والنعرات، وتصفيتها من شوائب التعصب والضيق؛ وتأمل عظمة الكون وجلاله، يكسب الفكر عظمة وجلالاً. وقد تخفق الفلسفة في معالجة مشكلات الحياة ومسائل الوجود، وربما كانت تلك المشكلات والمسائل من وراء طاقة عقولنا المحدودة؛ ولكني أعتقد أنها توفق على الدوام فيشيء واحد، وهو أنها ترينا أن الكون أرحب مما نقدر، وأعظم مما نرى).
وهذه كلمات جيدة، وهي تعطي القارئ فكرة عن طريقة المؤلف في تناول موضوعاته؛ وفكرة عن نظرته للحياة والأدب والفلسفة أيضاً، وهي جديرة بأن تفتح أعين الأدباء الخالقين من الشعراء والقصاصين وغيرهم على أن الموهبة وحدها لا تكفي، فلا بد من التزود والاطلاع، لا في موضوع فنهم وحده، ولكن في محيط أوسع، يشمل الفلسفة فيما يشمل.
ومع أنني أنا شخصياً ممن يدعون إلى تلخيص الفن، والشعر خاصة، من ربقة الذهنيات؛ إلا أن القصد والاعتدال والدقة في بيان الأستاذ أدهم لمنطقة الفلسفة ومنطقة الفن في مقدمته وفي الفصول التي تلتها، تجعلني أتفق معه في وجوب تنوع الدراسات والثقافات لمن يريد أن ينشئ فناً ذا قيمة إنسانية.
وكل ما أبديه من تحفظات هو إلا تظهر الذهنية، وقد أغالي فأقول، بل الفكرية، في العمل الفني، وبخاصة الشعر الذي أحب له أن ينطلق مرفرفاً متخففاً من أثقال الذهن المقيد، والفكر الواعي على قدر الإمكان.
وفي النهاية أذكر أن كتاب الأستاذ أدهم قد حقق في اللغة العربية قسطه المناسب من تحقيق هذا الغرض الذي يريده مؤلفه. وهو (تزويد الثقافة المصرية العربية الشرقية بطائفة من