عن العامة. لا بد أنهم (أستقراط) في نفوسهم، قبل أن يكونوا أرستقراطاً بجيوبهم، وإلا فهل تقدم الدولة على عزلهم هكذا عن الشعب - في نفس الوقت الذي تحارب فيه انعزال الطبقات - إلا لسبب معلوم!
ولكنني لا ألمح هنا امتيازاً خلقياً ولا نفسياً. إنهم - والشهادة لله - أوقح وأجرأ وأشد تبذلاً من عامة الشعب في (بلاجات الشعب، التي يمرح فيها بلا جعل ولا ترخيص!
شيء واحد يفرق هؤلاء السادة عن الشعب. . . أنهم لا يتكلمون لغة هذا الشعب. اللغة العربية أو المصرية هنا غريبة. . . ولقد سمعت الفرنسية والتركية والرومية. . . ولكني لم أسمع العربية والمصرية إلا من الخدم وحراس الشاطئ. . . والمصريون هنا غرباء. عرفت منهم علي ماهر، ومكرم عبيد، وإبراهيم عبد الهادي، وعبد المنصف محمود. . . وحفنة قليلة ممن تحمل وجوههم الطابع المصري. . . أما الأغلبية فمن ذوى الوجوه الحمر أو الوجوه البيض. . .
مستعمرون!!! وليس الإنجليز وحدهم هم المستعمرين!!!
هؤلاء هم قادوا الشعب إلى الهاوية. . . انحلت أخلاقهم، لأنهم لا رصيد لهم من خلق ولا دين. ولا رصيد لهم كذلك من عراقة ولا تقاليد.
وكلمة (أرستقراط) التي تطلق عليهم لا تحمل من معناها العالمي شيئاً. ليس في مصر طبقة أستقراط كطبقة اللوردات المحافظين في إنجلترا مثلاً. . . فأعرق أسرة من هؤلاء لا يزيد تاريخها في الغنى على مائة عام. . .
جاء محمد على الكبير والشعب المصري فقير. والأثرياء هم المماليك ومن يلوذون بالمماليك. . . وجعل محمد على زمام الأطيان كلها في يده، فلم يبق ثري لا في الشعب ولا في المماليك. . . ثم أخذت الثروات تتسرب إلى أيدي طبقات خاصة على مدى السنين في هذا الحيز القصير.
وفاز بنصيب الأسد على توالي الأجيال: أبناء الجواري، والمعاتيق، والذين خدموا الاحتلال - والذين عرفوا كيف يدورون مع الريح. والقلة القليلة في العصور المتأخرة هي التي كسبت ثروتها بالجهد وعرق الجبين.
تلك هي قصة الثراء في مصر مختصرة. كلهم محدثو نعمة، لم تتأصل فيهم تقاليد