المصريين، وأولئك العرب، الذين لا يزالون يثقون بالضمير الغربي عامة، وضمير الاستعمار على وجه الخصوص.
إنها الجريمة. تلك التي يقترفها كل يوم في حق شعوبهم المسكينة. جريمة التخدير والتغفيل، وأنام الأعصاب على الأذى، وهدهدة الآمال الباطلة، والأماني الخادعة؛ في ذلك الضمير المأفون.
يقول نبي الإسلام الكريم:(لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، وها نحن نلدغ من الجحر الواحد مرات، ثم نعود في كل مرة إلى هذا الجحر نفسه مغمضي الأعين نتطلب (الشهد) من جحور الأفاعي. ولا نجرب مرة واحدة أن نحطم هذه الجحور وأن ندوس هذه الأفاعي، وأن ننفض عن نفوسنا ذلك الوهم الذي يقودنا المرة بعد المرة إلى تلك الجحور!
إنها الجريمة. تلك التي نعاودها مرة بعد مرة. الجريمة في حق النفس، والجريمة في حق الوطن، والجريمة في حق العقيدة. إنها الغفلة التي لا يستحق صاحبها الاحترام، وهو يشهد على نفسه بالتغفيل!
ولكن من الحق أن لا نصم الشعوب العربية بهذه الوصمة. إن هذه الشعوب لأذكى وأشد حمية من أن ترضى لنفسها بالهوان ولكنها تلك الحفنة من ساسة الجيل الماضي في مصر وبعض البلاد العربية. تلك الحفنة الرخوة المسنة الضعيفة المتهالكة، المهدودة الأعصاب، لا تقدر على الكفاح، ولا تدع الشعوب تكافح، لأن أنانيتها الأثرة تمسكها عن الانسحاب في الميدان وتركه للقادرين!
هذه الحفنة من ساسة الجيل الماضي هي التي اخترعت كلمات: المفاوضات، والمحادثات، والمؤتمرات. . . لماذا؟ لأنها وسيلة سهلة لا تكلف شيئاً، وتضمن كراسي الحكم والسلطة فترة من الزمان. وكلما همت الشعوب أن تسلك طريقها، وأن تواجه المستعمرين بذاتها، حال هؤلاء بينها وبين المستعمرين، ووقفوا من دونهم يصارعون الشعوب، وتصارعهم الشعوب. فإذا أتعبهم الصراع مع شعوبهم راحوا يبثون في الأمة روح الثقة بالمستعمرين، وراحوا يشيعون الآمال الخادعة في هذا الضمير المدخول!!
تلك هي القصة. قصة الجحور وأفاعي. وقصة اللدغ المتكرر من هذه الجحور. وإنها المأساة، ولكن من العدل أن نبرئ منها الشعوب العربية؛ فلا تؤخذ بجريرة حفنة من الساسة