لقد كان الكثيرون يفهمون أنه شيْ آخر غير الضمير الأوربي. فأراد الله - ولعله لخير هذه الأمة العربية المنكوبة - أن يكشف عن ذلك الضمير. . . إنه ضمير مادي، ضمير الآلة التي لا تحس، وضمير التاجر الذي لا يتورع، ولا يهمه حق، ولا عدل، ولا حياء.
وهل تملك تلك الحضارة الآلية أن تنشيْ إلا ضميراً من هذا القبيل؟
ليست المسألة مسألة جنس ولا دولة. فليس الأمريكان خيراً من الإنجليز، وليس الإنجليز خيراً من الفرنسيين، وليس الفرنسيون خيراً من الهولنديين. . . كلهم أبناء حضارة واحدة. حضارة مادية بغيضة لا قلب لها ولا ضمير. حضارة تأخذ ولا تعطي، وتجرح ولا تأسو. حضارة أنانية صغيرة مهما بدت من الخارج ضخمة ذات بريق وضجيج!
إنها حضارة زائفة لأنها لم تقدم للإنسانية زاداً من الروحية، ولم تحاول رفع الآدمية عن قانون الوحوش. وهل تطبق هذه الحضارة مع شعوب الأرض المنكوبة إلا قانون الوحوش؟
ثم يوجد بين أمم الشرق غافلون أو خادعون يثقون بأصحاب هذه الحضارة، ويراودون شعوبهم على الثقة بلك الضمير، ويثبطون عزائمهم عن الجهاد الحاسم، والكفاح المثمر، في أنسب الظروف!
وبين ضجيج الآلات يرتفع بين آن وآخر صوت إنساني خافت في تلك الربوع: ينادي بالعودة إلى الله، كذلك الصوت الذي أرسله الكردينال جريفان في إنجلترا منذ أيام، حين ألقى بكاتدرائية وستمنستر عظة دينية فقال:
(لقد أبعد الله عن ميثاق هيئة الأمم المتحدة. وهذا هو السبب في أن الأمم المتحدة لم تستطع إلى اليوم أن تصبح (متحدة) فعلاً).
(وأنه لينبغي أن يكون لله ومبادئه القائمة على الإحسان والعدالة مكان في الشئون الدولية حتى تصبح الحرية حقيقة في العالم بأسره ويعيش الإنسان في ظل السلام والأمن).
ولكنه صوت خافت لا يسمع في ضجيج الآلات التي تغشى على صوت الضمير، ونغمة مبحوحة لا تسمع بين صراخ المطامع، وعواء الشهوات، في ذلك العالم الهائج الشعور!