تنشر بعض الملابس في الشرفة المجاورة. . . وتكهرب صادق! كهربته عين الفتاة المشحونة جاذبية وسحراً، والتي مست في مثل ومضة البرق أغلاف قلبه. . . وأغضى بصره في استحياء، واسترجع جسمه كله من النافذة. . . وهو يقول لنفسه: فلأتدبر!! وما هي إلا هنيهة حتى عاد إلى النافذة وهو لا يدري لماذا يعود. . . ووقف واجم اللسان ولو أنه ناطق الأسارير بكل لذعات الرغبة وكل لهفات الحرمان. . .
وابتسمت له الجارة ابتسامة متوهجة بنوازع الحياة والشباب فأحس بسمتها تضيء جوانب نفسه، كما يضيء الصبح للمتململ تحت الظلام كما يشرق الأمل القوي على الحيوان، كما يهز الماء الأرض الهامدة.
ورد الابتسامة مبتهجاً ملتاعاً، منتبهاً مأخوذاً!!
ولما عاد إلى سكنه في العصر، كانت تعتلج في نفسه رغبات تلح في طلب المفيض. . . كان يريد أن يعل من المتعة التي نهل منها مصبحاً، فاتجه إلى الشباك وهو يناضل الحياء الذي عاش معه منذ نشأ في المنيا. ولاحظ أن بعض جيرانه يستطيعون رؤيته في مكانه، فعدل مصراع نافذته بحيث لا تراه إلا جارته البسامة، وتذكر أن خادمه العجوز قد فتح عليه الباب فجأة، فأغلق دونها الباب بالمفتاح. . . ونظر، فرأى فتاته مشغولة بتطريز قطعة قماش مولية ظهرها لشرفتها، فأراد أن يلفتها إليه، فلم يجد في غرفته المتواضعة غير الفرشاة يقرع بها على سقف طربوشه. ونجح فيما أراد، فقد التفتت إليه الفتاة سريعاً وانفرج ثغرها الحلو عن بسمات فاتنة عريضة تنطق ضمن ما تنطق به بأنها فطنت لحيلة صادق، وأنها سعيدة إذ تراه يعنى بها وانتهبت البسمات قلب صادق انتهاباً!. .
ووقفت الحسناء بأقرب نوافذها إلى جارها المفتون محتجبة بالستار عن عيون الجيران إلا عينيه الجائعتين. . . ومضت تكلمه في بساطة وألفة، وسألته في صوت خفيض، ويدها وعيناها وشفتاها وجيدها تعينها إلى الإبانة. . . سألته عن منشئه وعمله واستطردت فسألته لماذا لا تتزوج، فشدهته جرأتها غير المعهودة ولكنه ما لبث أن اعتذر عنها لدى نفسه بأنها تنزل من السذاجة المنزل الذي لا تدرك عنده ما قد يذهب إليه الناس من سوء الظن بها إذا سمعوها تسأل شاباً: لماذا لا يتزوج. وأجابها صادق عن كل أسئلتها في غير تحرج؛ وأحس عجبه لجرأتها يستحيل عاجلا إلى رضى عن صراحتها وارتياح لبساطتها.