وامتد حبل الحديث ولم يبق للكلفة ظل بينهما وكأنه وإياها نشآ معاً طفلين في دد وأمان!
وقال لها مدفوعاً بجنون العاطفة: أيكفيني هذا الحديث؟ ليتنا نجلس معاً! ليتنا نسير جنباً إلى جنب! تدبري لنا واحتالي!
فأجابت في رعونة مرحة: الأمر هين. . . نذهب إلى سيدي بشر أو المكس، بل لنبعد إلى الدخيلة.
ولم يكن صادق مستعداً لتقلي مثل هذه الإجابة الجريئة، فقال في استغراب: إلا تخافين؟
- مم؟
ونظر صادق فوقه وتحته وعن اليمين وعن الشمال، كأنما يريد أن يقول: من كل شيء في هذه الجهات، ولكنها مضت تقول وحركات جسمها كله تساعد على فهم أفكارها: إن فيكتورين جارتنا تقابل جارنا الضابط عند رأس الشارع، ومن هنا يركبان السيارة إلى كازينو السفينة في ستانلي، أو يذهبان إلى (اكسنونون) في المكس فيتغديان أو يتعشيان. هي حدثتني بذلك فلنصع كما يصنعان. وقد حدثتني فيكتورين أنها ترافق صديقها أحيانا إلى كابينة له في سيدي بشر، فلنقلدهما؛ أن الشاطئ الآن قليل الرواد، فالفضول فيه قليل. . . هكذا لاحظت فيكتورين. . .
وأثار هذا العرض السافر في نفس صادق ما اثار، فكله فتن قيام في الضلوع قعود. . .
وقال لفتاته: استعدي، وهيأ هو من نفسه، ووقف تجاهها قبل أن يخرجا، مشيراً إليها أن تنهج الطريق يساراً، ويتجه هو يمنة، ليعميا وجهتهما على الحلاق وبائع السجاير القريبين، وعلى من يكون في دكانيهما.
ونزلا مسرعين، ومضى كل منهما في طريقه المرسومة، ثم التقيا بعد دقائق عند محط السيارات، فركبا إلى الدخيلة. . .
وتحدثت (إغراء) بغير حساب ككل امرأة. وبغير عناء لمس (صادق) ظاهر أمرها، واستشف باطنه. أن أباها وأمها غالتهما شعوب، وإن لها لأخاً وحيداً يقتضيه عمله في أحد البيوت التجارية أن يغيب عنها أغلب النهار وزلفاً من الليل. إنها لطيفة الحديث، متسعرة العاطفة، وإن شبابها الظمآن ليحدوها إلى أي منهل يرتوي منه، وهو في قهره وسطوته يجعلها تنكب عن ذكر العواقب جانباً. . . إن (إغراء) متكلمة وساكتة، متلفتة وساكنة،