أتى عليها زمن وهي منفردة بعناية الناس بتعليقها حفظاً وشرحاً، فشاع لها بين الناس هذا الاسم الجديد (المعلقات) ونسوا به اسمها القديم (القصائد المشهورة) ثم مضوا على ذلك إلى أن جاء من العلماء من عني بفهم هذا الاسم الجديد لها، ومعرفة سر إطلاقه عليها، ففرض له تلك الفروض الخاطئة التي سنبين فيما بعد خطأها.
ولاشك أن اللغة تسوغ اشتقاق هذا الاسم (المعلقات) لتلك القصائد مما عني به الناس بعد جمعها من حفظها وشرحها، فإن الحفظ تعليق لما يحفظ بمحل حفظه، والشرح تعليق على ما يكون هو شرحاً له، ولا تزال الشروح التي توضع على المتون ونحوها تسمى شروحاً وتعليقات، وقد جاء في القاموس والأساس أنه يقال فلان علق علم أي يحبه ويتبعه، وعلق شر كذلك، فهذه المعلقات معلقات مما حدث للناس بعد جمعها من حبهم لها، وتتبعهم إياها بما كانوا يتتبعونها به من حفظها وشرحها، وهي معلقات بمعنى محفوظات أو مشروحات، وقد خصت بهذا الاسم لأنها كانت أول ما عني بجمعه وتدوينه وحفظه وشرحه من الشعر.
فهذا إن لم يكن هو الذي وقع في حدوث هذا الاسم (المعلقات) لتلك القصائد بعد جمعها، فهو فرض قريب يرتاح إليه العقل في بيان وجه تسميتها بذلك، وهذا شأن كل الفروض العلمية التي يراد منها تقريب فهم بعض المسائل العلمية من المعقول، إذ تستعصي عليها، ولا يمكنها بيقين معرفة سرها، وهو خير من تلك الأمور الخاطئة التي يذكرها من يذهب إلى أن تلك القصائد كانت تسمى قبل جمعها باسم المعلقات، ولا يذكرها على أنها فروض يهون الخاطئون فيها، بل على أنها أمور وقعت وكانت سبباً في تلك التسمية.
قالوا إن الشعراء في الجاهلية كانوا يقصدون أسواق العرب التي كانوا يقيمونها كل سنة بجوار مكة فيتناشدون الأشعار، وكان ينصب للشاعر فيها ربوة فيصعد إليها، وتحدق به العيون، وتشرئب إليه الأعناق، فينشد قريضه عليهم حتى يأتي على آخره، فلا يقاطعه أحد ولا يستوقفه، فإذا ما أحكم القول، وبلغ من الفصاحة ما وقع اتفاقهم على حسنه وإجادته كتبوه بحروف الذهب على نفيس الديباج وعلقوه على الكعبة المشرفة، تنويهاً بشأن صاحبه، وتخليداً لذكره.
وممن قال بهذا أو نحوه في سبب تسمية تلك القصائد بالمعلقات احمد بن عبد ربه القرطبي صاحب العقد الفريد، وابن خلدون، وابن رشيق. قال ابن عبد ربه: (وقد بلغ من كلف