العرب بالشعر وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيرتها من الشعر القديم، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة، وعلقتها بأستار الكعبة فمنه يقال مذهبة امرئ القيس، ومذهبة زهير، والمذهبات سبع يقال لها المعلقات).
وقال ابن خلدون بعد كلام له في ذلك (حتى انتهوا إلى المباهاة في تعليق أشعارهم بأركان البيت الحرام، موضع حجهم، وبيت أبيهم إبراهيم كما فعل امرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وعلقمة بن عبدة، والأعشى، وغيرهم من أصحاب المعلقات السبع).
وقال ابن رشيق (وكانت المعلقات تسمى المذهبات، وذلك أنها اختيرت من سائر الشعر القديم، فكتبت في القباطي بماء الذهب، وعلقت على الكعبة، فلذلك يقال مذهبة فلان إذا كانت أجود شعره، ذكر ذلك غير واحد من العلماء).
وكان أبو جعفر النحاس المتوفي سنة ٣٣٨هـ يخالف صاحب العقد ومن تابعه على هذا المذهب في علة تلك التسمية، وكان أبو جعفر معاصراً لابن عبد ربه وهو من علماء المشرق، أما ابن عبد ربه فمن علماء الأندلس والمغرب، وقد ساح في بلاد الشرق وسمع من علمائه، ثم رجع إلى بلاده.
وقد قال أبو جعفر في هذا من شرحه على تلك المعلقات (واختلفوا في جمع القصائد السبع، وقيل إن العرب كانوا يجتمعون بعكاظ فيتناشدون الأشعار، فإذا استحسن الملك قصيدة قال علقوا لنا هذه، وأثبتوها في خزانتي، وأما قول من قال إنها علقت بالكعبة فلا يعرفه أحد من الرواة).
ولم يذكر أبو جعفر من هو هذا الملك الذي كان يأمر بتعليق هذه القصائد في خزانته، وقد رجح بعضهم أنه النعمان بن المنذر لأنه هو الذي كان يعنى من ملوك المناذرة بجمع أشعار العرب، وكان عنده ديوان مكتوب جمع فيه أشعار الفحول، وقد صار ذلك الديوان أو ما بقي منه إلى بني مروان على ما رواه أبو عبد الله محمد بن سلام الجمحي في كتابه طبقات الشعراء الجاهليين والإسلاميين.
ويستند أبو جعفر في رأيه هذا على ما قيل أن حماداً الراوية لما رأى زهد الناس في الشعر جمع لهم هذه القصائد السبع، وقال هذه هي المشهورات، ويؤخذ من ذلك كله أن تسميتها بالمعلقات عند أبي جعفر يرجع إلى قول الملك علقوا لنا هذه، لا إلى أنها علقت في الكعبة،