بدأت مصر إذن بغزو ميدان اقتصادي جديد كان حتى اليوم وقفا على الأجانب، هو ميدان الملاحة البحرية؛ ومن قبل غزت مصر - خلال الأعوام الإثني عشر الأخيرة على يد بنك مصر وشركاته - مختلف الميادين والأعمال الاقتصادية والصناعية؛ ونمت هذه المؤسسات وازهرت، تحفها عناية الله، وإخلاص القائمين بأمرها وعطف الأمة كلها، حتى غدت ركنا هاما في حياة البلاد الاقتصادية التي كانت من قبل كلها غنما للمصالح والأيدي الأجنبية؛ وبثت هذه الحركة المباركة في الأمة روح الاهتمام بالمشاريع الاقتصادية والثقة فيها؛ وأخذت المصالح الأجنبية التي غصت بنجاحها تنظر إلى المستقبل بعين الخوف والجزع؛ وتلتمس لمحاربتها مختلف الوسائل والدعوات. وآخر ما أذيع عن جهودها في هذا السبيل موقفها من شركة الملاحة المصرية، ومن باخرتها (النيل)، فقد عرف إن بعض الجهات تبث ضد (النيل) دعوة سيئة، وتحث الأجانب على مقاطعتها، وتشترك بعض وكالات السياحة في هذه الخصومة فت
فتأبى نشر (النيل) في قوائمها، وتأبى التعريف عنها وعن أجورها أو مواعيدها؛ وهذه خصومة غربية في الواقع؛ أولاًلأن شركة الملاحة المصرية تدخل ميدان المنافسة المشروعة عزلاء من كل حماية خاصة، ولا تعتمد إلى على جهودها ومؤازرة شركتهم وباخرتهم؛ وثالثاً لأن هذه الدعوة في ذاتها غير صحيحة، إذ الواقع إن النيل من أفخم بواخر البحر الأبيض وأحسنها استعداداً، هذا فضلاً عن اعتدال أجورها ومصرية جوها ومحيطها.
على ان هذا التحرش من جانب المصالح الأجنبية بالجهود المصرية المشروعة لا يمكن ان يضر هذه الجهود، وإنما يرتد أثره بالعكس إلى المصالح الأجنبية ذاتها. فقد طال عهد مصر بعسف هذه المصالح التي تحيها الامتيازات الأجنبية الباغية؛ وقد عرفت مصر التي تطمح إلى استكمال حرياتها السياسية إن التحرير الاقتصادي دعامة قوية في هذا السبيل؛ وعرفت المصالح الأجنبية إن هذه الامتيازات التي تتمسك دائما بسلطانها وحمايتها لا يمكن أن تحقق لها ما تريد من عطف الشعب الذي تعمل بينه، لأن عطف الشعوب لا يكسب بالقوة والعنف، وعرفت من جهة أخرى إن هذا العطف ينثال على كل مشروع مصري خطير، ورأت أخيراً أن مصر تغزو الميدان الاقتصادي الذي احتكرته عصراً، بقوة ونجاح؛ فهذه