السلم والحرب الممر الطبيعي للطائرات البريطانية إذا تحاشت البحر الأبيض المتوسط: لم يكن من السهل إهمال علاقات هذا الجوار وما تمليه عليه المصالح المشتركة للبلدين وما يفرضه تعاشق حقوق الاتفاق بين الإمبراطوريتين، ولهذا لم تترك السياسة البريطانية هذه الناحية تسير طبقا للأقدار بل مالت بقواتها وعبأت أساليبها المختلفة وعضدت الاتجاه المضاد للحركة الأولى، وكان إن حكمت فرنسا حكومات بقيت حريصة على محالفة بريطانيا، وترتب على هذا أن دخلت فرنسا الحرب العالمية الثانية بجانب الإمبراطورية البريطانية.
ومن هنا نفهم حقيقة العرض الذي تقدم به تشرشل قبل تسليم يونيه ١٩٤٠ وأقترح فيه إدماج الإمبراطوريتين في اتحاد واحد وهو العرض الذي توهم فبه الكثيرون بأنه كان عرضا خياليا لا يسند إلى أساس.
الحرب العالمية الثانية ٣٩ - ١٩٤٥ والمستعمرات الفرنسية:
جاءت الحرب فمرت شهورها الأولى وتحملها الناس، ثم اشتدت وطأتها على فرنسا وظهرت عيوب الأنظمة الفرنسية وتفكك الأحزاب الحاكمة وخيانة رجال الصناعة وقوات الجيش، وتوالت الهزائم واضطرت فرنسا للتسليم عقب قتال لم يدم طويلا، وكان أن طرأ حادث غريب في التاريخ العالم جاء نتيجة لإبرام عقد الهدنة بين فرنسا وألمانيا عام ١٩٤٠، وهو أن يحتل العدو بلد أوروبيا أو جزءاً منه بجيوشه وتبقى أراضى المستعمرات من غير احتلال، وليس في ذلك من عجب إذا كانت الهدنة لوقف القتال ثم تعقبها مفاوضات الصلح وينتهي الأمر بإبرامه عقب فترة قصيرة من الزمن كما حدث سنة ١٨٧٠. أما أن تعقد الهدنة ويتضح من شروطها استثناء الإمبراطورية الفرنسية وبقاء جيوش الجمهورية معبأة للدفاع عنها ويستمر ذلك شهورا ثم سنوات ما دامت الحرب قائمة، فأمر جديد أثار الكثير من المشاكل كلما بعدت نهاية الحرب.
فهناك فريقان يتحاربان حربا مميتة، وهناك إمبراطورية لدولة قبلت التسليم، فما هو حكم الأراضي التي سلمت أهي دار حرب وقتال أم هي على الحياد؟ لاشك في أن القسم الفرنسي الذي يشغله العدو بجيوشه هو دار حرب.
فما هو موقف القسم غير المحتل وأهم جزء فيه تلك الإمبراطورية بأقاليمها المتسعة؟