للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هدنة سنة ١٩٤٠ ومستعمرات فرنسا:

كنت في بيروت في بداية الحرب وبعد عقد الهدنة، ولقد شعرنا وشعر الناس جميعا إن الحياد الذي أرادت فرنسا أن تظهر به غير موجود ولا يمكن التمسك به نظريا أو عمليا فقد كانت الطائرات الإيطالية والألمانية تضرب فلسطين وكان بعضها يصاب بنيران المدفعية فيضطر للهبوط في أراضى سوريا ولبنان فاتخذت السلطات الفرنسية معها في الحوادث الأولى الإجراءات التي ينص عليها باب الحياد في القانون الدولي، وكان الألمان لجنة عليا في فيسبادن تشرف على أمور الهدنة مع ألمانيا لا تجعل من فرنسا ومستعمراتها بلدا محايد، وما يسري على المستعمرات يسري على الأراضي المشمولة بالانتداب: وبناء على ذلك أفرجت السلطات العسكرية الفرنسية عن الطائرات والطيارين وسمحت بالمرور والنزول في المطارات، فكان من بريطانيا إن قذفتها بالقنابل ووجهت حملتها لاحتلال أراضي سوريا ولبنان.

حالة شاذة:

هذه الحالة الشاذة لأوضاع الإمبراطورية الفرنسية طول مدة الحرب أوجدت في أراضيها نوعا من الحكم استفاد منه الفرنسيون للوقوف بين الفريقين المتحاربين، ولو إنه أدى في النهاية إلى خسارة أسطولهم واحتلال الألمان والطليان لتونس إلا إن هذه الحالة لفتت أنظار الفرنسيين جميعاً للإمبراطورية وإثرها وأهميتها وما ينتظر منها وإنها قوة المستقبل ودرع الشعب الفرنسي وغير ذلك مما كانت تردده الصحف وتذيعه الأنباء المختلفة من محطات اللاسلكي.

انقسمت فرنسا إلى فريقين: حكومة فيشي وحركة الجنرال ديجول، واتفق كلاهما على أمر واحد هو الاحتفاظ بوحدة الإمبراطورية وعدم التفريط في أي جزء منها، وترجع الأخطاء وأعمال العنف التي ارتكبها ممثلو فرنسا في القطرين الشقيقين سوريا ولبنان إلى تمكن هذه الفكرة منهم تمكنا فأعماهم عن تلمس الحقائق ومواجهة تطور العالم الجديد.

وأغرب من ذلك إن الحلفاء حينما وجهوا حملتهم إلى شمال أفريقيا قام الكتاب الفرنسيون بحملة قلميه في أنحاء العالم تقول: إن الإمبراطورية وشعوبها قد قامت بأسرها لشد أزر

<<  <  ج:
ص:  >  >>