والذي يبدو لنا أن هذه الفروض قد بنيت على خطأ في فهم الفضاء أو المكان. لأنهم اعتقدوا أن الفضاء خلاء، وأن الخلاء عدم، فوجب أن يملئوه بالأثير.
وقد اتفق جلة الفلاسفة الأقدمين على أن الفضاء ليس بخلاء أو ليس بعدم، لأنه يقاس ويقدر، ولأنه يحتوي الموجودات.
يقال شبر من الفضاء، وذراع من الفضاء، ولا يمكن أن يقال أن عدماً أطول من عدم، وأن هذا العدم أقل من ذاك.
ونحن نعيش في الفضاء ويحتوينا الفضاء، والمعدوم لا يحتوي الموجود.
فالفضاء ليس بعدم وليس بخلاء.
وكان أسلم من فرض الأثير أن يقال أن مادة الفضاء لا تزال قيد البحث والاستفسار. فإن ذلك أسلم علماً وعقلا من الجزم بنفي الحركة في الفضاء، ما لم يكن مملوءاً بما يسمى الأثير.
وقد حاولوا أن يجدوا للأثير هذا خاصة تميزه من الفضاء بحركة أو كثافة أو تقدير فلم يجدوا تلك الخاصة في تجربة واحدة من تجاربهم الكثيرة.
فليس للأثير سرعة تزداد أو تنقص بمرور الأجسام فيه، وليس في الحالات التي تعرض للمادة كلها حالةٌ تتناوله بشيء من التغيير!
ومؤدّي هذا أن الأثير والقضاء مترادفان، فلا فرق بين قولك أن الضوء يسير في الفضاء وقولك أنه يسير في الأثير.
وقد نبه اينشتين إلى ذلك فقال في تعقيبه على نظرية لورنتز عن المغناطيسة الكهربائية والأثير إنما هم اسمان لمسمى واحد!
وقد انتهى الرأي باينشتين إلى تقرير فرضه الجديد الذي يلاقي به مذهب الأقدمين في حقيقة الفضاء، وهو فرضه المشهور عن الجوهر الفضائي أو جوهر الفضاء
فألقى في شهر يونية من سنة ١٩٣٠ محاضرته التاريخية بجامعة توتنجهام، وأجمل فيها أطراف هذه النظرية التي يوشك أن يستخرج منها العلماء صلة علمية بين تركيب الفضاء وتركيب المادة، وهي ليست بالصلة البعيدة بعد ما عرف عن حركة الضوء في الفضاء، وعن رجوع المادة كلها إلى الإشعاع.