استشهد منهم طائفة كبيرة على مشانق الأتراك في سبيل المسألة العربية ومثلهم الأعلى
ولم يكن لدى هذه الشبيبة إلى حين قيام الحرب العالمية إلا بعض المدارس الحكومية تلقن العلوم باللغة التركية وغير المدارس الأولية الخاصة لتتلقى فيها لغتها وآدابها. وأما العلوم العالية فلم يكن هناك سبيل إليها إلا القسطنطينية أو أوربا أو الأزهر
ولما كانت الدراسة العالية غير ميسورة إذن إلا للموسرين، والحكومة التركية لا تكترث لمصير الشباب العربي أضطر هؤلاء بمواردهم الخاصة إلى الخروج من هوة الجهل التي ألقوا فيها عمداً حتى يسلس قيادهم ويسهل إخضاعهم، إذ كانت سياسة الأتراك نحو العرب تركهم ضلالاً في ظلام الجهل
وفي خلال سني الحرب العصيبة قاد الشباب العربي حركة العصيان ضد المستعمر وانحازوا إلى الحلفاء الذين وعدوهم باستقلال البلاد بعد النصر، فهجر شباب الضباط والطلبة كلياتهم واستبدلوا بأقلامهم وكتبهم البنادق لإنقاذ ثقافتهم ونصرة حقهم بالمهج والدماء
ولشد ما كانت دهشة العرب بعد الحرب! أملوا من الحلفاء استقلال بلادهم بالوعود المأخوذة فإذا بهم يقسمونها إلى سوريا وفلسطين والعراق، لتكون تحت انتداب إنجلترا وفرنسا، دون أن يكون لرغبات العرب ومصالحهم حساب، وإذا بالعرب يقاسون بعد الحرب كما قاسوا قبلها عنت الحكم الأجنبي وظلمه، وكان لهذا التقسيم السياسي أوخم العواقب في تكوين العقلية العربية للجيل العربي بعد الحرب، فإن الطرق التعليمية المختلطة التي تمارس في هذه البلاد ترمي إلى تطورات متنافرة وعقليات متعارضة لتكسر من حدة الثقافة العربية والوحدة الوطنية مما عانت منه البلاد كثيراً ولاسيما سوريا
ثم كان من توزيع التعليم بين مدارس الحكومة الرسمية والمدارس الأجنبية الخاصة، كمدارس الفرير، والفرنسيسكان والجزويت، والاتحاد الإسرائيلي، والمدارس الأمريكية، وجميعها لا تخضع لأية رقابة، ومن تباين الطرق التعليمية المختلفة فيها، والتنافس القوي الأعمى بينها، شر النتائج مما لم يكن يقع غبنه وغرمه إلا على الشباب العربي وحده، فأفسدت الاتجاهات المختلفة والأهواء المتباينة والمؤثرات المتعددة روح الشباب، وباعدت بين بعضهم وبعض فأصبحوا كأنهم غرباء لا يجمع بينهم تفاهم ولا تناسق، فتردوا بذلك في عذاب أدبي مروع، وفوضى فكرية فظيعة، وجهلوا أو لم يعرفوا إلا لماماً أدبهم الوطني