وإن الشبيبة التي لا تتغذى ثقافتها الوطنية بالإعجاب بالماضي والزهو بالأسلاف، لا يمكن أن تتعاون وتعمل في سبيل رفعة الوطن فلقد لاحظنا أن طلبة مدارس الإرساليات مثلاً وجلهم من المسيحيين قد خلوا تماماً من الوطنية وحل مكانها التعصب الديني، وهذه حالة نفسية تساعدهم على قبول الاستعمار الأجنبي وتباعد بينهم وبين إخوانهم المسلمين.
على أن من الحوادث السعيدة والجديرة بالذكر أن نخبة من مفكري المسيحيين قد ألقوا منذ سنين نير الرق الأدبي، وبرئوا من الريبة التي خامرت النفوس ومدوا يد المودة إلى إخوانهم المسلمين.
أما تنظيم المدارس الحكومية فقد تم وفقاً للنظام الإنجليزي في فلسطين والعراق، والنظام الفرنسي في سوريا، دون أن يتفق مع حاجات البلاد.
وقد أنشأت هذه الحالة مسألة غاية في الدقة والخطورة، وهي مسألة توحيد التعليم القائم على الثقافة الوطنية، وتحقيق هذه السياسة التعليمية هو الوسيلة الوحيدة السريعة لإنضاج ذكاء الشباب العربي وتحقيق الوحدة مهما كان وسطها أو دينها. فتوحيد التعليم ينتج وحدة الفهم والتفكير والإرادة، وهي العوامل الثلاثة الأساسية اللازمة لتخلق في الشباب قوة التعاون على توحيد الجهود وإنهاض البلاد مادياً وأدبياً.
ولقد اشتدت الضرورة إلى وحدة التعليم بازدياد عدد الشباب المتعطش للدراسة، فإن عدد المقبلين على التعليم ازداد عقب الحرب كثيراً من الذكور والإناث على السواء. ومع ذلك فإن المدارس الرسمية أضيق من أن تسع الطلاب، مع أنه ليس للبلاد العربية مصروفات حربية، وميزانيتها تسمح بفتح مدارس جديدة وعلى الأخص في القرى كما تسمح بتحسين المدارس الحالية على وجه السرعة، وفي نظرنا أن هذا الواجب هو من أول الواجبات الملقاة على عاتق الحلفاء. فلماذا أهمل؟
ومن جهة أخرى، فإن المتعلمين يعانون الآن أزمة شديدة في جميع البلاد العربية لما يصادفونها من العقبات في المهن الحرة، إذ لا يجدون بعد سنين طويلة من الدراسة الطويلة الشاقة في أوربا أو في الوطن ما يحتاجونه من عوامل الكمال بعد أن سدت في وجوههم كل طرق الحياة أو ألقيت فيها العراقيل، دون أن تفكر أية حكومة في معونتهم وتمهيد