فعليك رحمة الله ما نطق باللسان الفصيح ناطق، وخفق بالإسلام الصحيح خافق، وسلام عليك ما ذكر المكرمات ذاكر
وبعد، فالرثاء حزن يتبدى أو مناقب تعدد، وكلاهما يحتاج إلى بيان، ولست ممن يدعيه، غير أني أشهد أن حزني على إسعاف عظيم، وإني لا أستوفي مناقبه حصراً وعداً.
كنت لم أره بعد، وكان ذلك منذ أكثر من خمس عشرة سنة، حين كتب كاتب في بعض الصحف الفلسطينية ينتقده وينتقد شوقي معاً، فحملني حبي لهما على أن أدفع عنهما ما قاله بغير حق، فكتبت الدفاع في جريدة الجامعة العربية، وعلى أثر ذلك أهدى إلي كتبه، ثم زرته وتوثقت روابطنا حتى كان لا يدعو إلى بيته أحداً من ضيوفه، وكلهم من أهل الفضل والأدب، إلا دعاني مدة إقامتي في القدس، فلم أجد مجلساً أحفل بالفوائد الأدبية والإنسانية من مجلسه، ولم أجد محدثاً أجذب للسمع والفؤاد منه، ولم أجد أغير منه على كتاب الله ودين محمد، فمحمد عليه السلام عنده معنى الكون، وكان اسمه الكريم مكتوباً بخط جميل ومعلقاً أمامه لا يحب أن يقع نظره إلا عليه.
ولا يستثيره شئ أكثر من أن يمس الإسلام أو القرآن من قريب أو بعيد، وشدة غيرته هي التي تأتي بالعجب، فكتابه (الإسلام الصحيح) إذا رأيته بتحقيقاته وحواشيه ظننت أنه تهيأ له من سنين، والحقيقة أن موضوعه لم يكن يخطر له ببال، وما هي إلا مناسبة عرضت حتى هب كالأسد يزمجر بالإسلام الصحيح، وواتته سعة الاطلاع وسلامة الفهم والذوق فكان الكتاب، وكذلك كان رده على كتاب المبشرين الذي نشر تباعاً في الرسالة. ولم يكن يضيع شيئاً من وقته، فما هو إلا قارئ أو كاتب، وكانت رحلته في الصيف إلى الشام رحلة في طلب المزيد من العم، وكان نهماً في القراءة، حتى لقد طالع في مكتبات دمشق أكثر من خمسمائة كتاب في رحلة واحدة، ونقل منها نصوصاً تؤيد كتابه الإسلام الصحيح، وكانت رحلته في الشتاء إلى مصر ليتزود كذلك من مكتباتها. وهذا كله بالإضافة لما عنده من مكتبة عظيمة نادرة المثال.
وكانت معرفته لما اطلع عليه من آداب الغربيين وهو كثير معرفة اتفاق، وكان يحسن التحدث عن آداب الغرب ويقارنها بآدابنا، ويجد لكل جديد منها مثالاً من قديمنا يفوقه روعة