لقريبة ما بين طرفيها، من شعر جمعه ديوانه على تقصير في الاستيعاب، وتخلف في تحرير الكلمات، وجنف عن إقامة الأوزان، وبعد عن التيسير بالضبط والشرح.
وغبر الديوان يخرج من طبعة إلى طبعة حاملا مع الأوزار الأولى أوزاراً أخرى، والناس قانعون من شعر الشاعر بما صح لهم في مبناه ومعناه، أو بما لان لتوجيههم فاستقام، متخففين مما استعصى على الفهم، وند عن الإقامة، فعاش من الديوان قلة. هذا غير شعر غاب عن النشر كثير خفي بإخفائه جانب من حياة صاحبه، وأخفى الاستغلاق جانباً آخر. وما لدراسة يتنازعها هذان نجاء من الزلل أو قرب من السداد.
ذكرت ذلك كله وأنا أنظر في ديوان أبي فراس الجديد الذي أخرجه حضرة الباحث المحقق، فقد وجدتني بين أجزاء ثلاثة كبار تربى صفحاتها على الثمانمائة، في ثوب جد أنيق. وكنت أجدني بالمس القريب بين صفحات تبلغ المائة أو تزيد عنها، في رثاثة وبذاذة. وجدتني أطالع جهداً جديداً على النشر في الشرق طالما رقبناه ورجوناه، فهذا استقصاء في المقابلة بنسخ من الديوان جاوزت الأربعين خف إليها الدكتور يحصيها ويجمعها، وكانت هنا وهناك في مكتبات الشرق والغرب، أفادت الكثير بما زادت وحررت. وهذا شرح لابن خالويه على الديوان بين تمهيد لقصائده وتفصيل لحوادثه وإبانة عن غوامضه لا عهد للناس به من قبل. وغير هذا وهذا مما جاء من إشارات إلى أماكن شعر أبي فراس من كتب الأدب والتأريخ، وفيها نفع واستئناس. ثم ما كان من إشارات إلى أماكن الحديث عن أبي فراس في هذه المراجع. صنع الدكتور الدهان بديوان (أبي فراس) هذا وغيره فوفاه ضبطاً وشرحاً وزوده بفهارس عشرة، بعضها للشعر المروي في كتب الأدب والتاريخ، وبعضها لما تفردت به هذه الطبعة ولم يحمله ديوان لأبي فراس قبل، وبعضها للمعاني والأبواب، ثم القوافي والأعلام والقبائل والأماكن والكتب والموضوعات.
ذاك عدا دوحة انتظمت بأصولها وفروعها الأسرة وما ضمنته المراجع. وعدا جدول تكاد العين تضل في سعته جمع المقابلات بين القصائد والنسخ الخطية في بسط واستيفاء.
هذا ديوان أبي فراس الجديد يدلل على ما بذل فيه من جهد وما حمل في سبيله من عناء. وقد حبس الدكتور الناشر على هذا العمل نفسه سنين عشراً بين إعداد وطبع. وما عشر سنين بكثير على مثل هذا العمل الجليل. وما أحوجنا ونحن بسبيل إحياء نصوصنا القديمة