للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بقلم قضايا الحكومة، ثم رقي رئيساً لنيابة الإسكندرية، ثم مفتشاً بلجنة المراقبة، ثم رئيساً لمحكمة الزقازيق فرئيساً لمحكمة مصر، ثم اختير وكيلا لنظارة الحقانية، وقد ظل في هذا المنصب حتى انتقل إلى جوار ربه. . .

تلك كانت حياة فتحي زغلول في مناصب الحكومة، وهي حياة يمكن للمؤرخ أن يجملها في سطور، وما كانت حياة الوظيفة في يوم مجال عبقرية ولا مظهر نبوغ، وإنما كان مجال عبقرية فتحي ومجال نبوغه في ناحية الإصلاح التي رادها، والتي رأى في انتهاجها خدمة للوطن ونفعاً للأمة وإفادة لشباب طامح يتوثب للنهوض، وينشد الحياة المهذبة الكريمة. فما هو ذلك المجال الذي اختاره فتحي للعمل، وآثره بجهوده ونبوغه؟

يقول فتحي باشا في كلمة من كلماته: (إن من يخبر حال هذه الأمة ويقف على كنه خلقها، ويعرف جيداً حقيقة خصالها ويدرك الصحيح من آمالها، وينعم النظر في أعمالها، يقتنع بأن التربة زكيه لا يفسد زرعها إلا شيء من البذور الرديئة، وبأن الخلق الكريم يغشاه ستار من عدم العلم التام بالواقع، وبأن الآمال كبيرة شريفة لكنها مشوبة بشكوك وأوهام تطوح بنا يوماً ذات اليمين ويوماً ذات الشمال. أما أعمالنا فثمرة هذا وذاك، نهتاج والسكون واجب، ونلهو وكل النجاح في العمل، وما كان شيء من كل هذا يكون لولا خطأ في تقدير حقيقة حالنا، وعدم التفات إلى حركة البيئة التي نحن فيها، ونسيان لشيء كثير من الماضي ولهو عن الحاضر وعدم اهتمام بما هو آت. ومحال أن تدوم هذه الحال، فلا بد لنا من إعداد العدة اللازمة لهذا التحول، وما هي إلا العلم؛ فإن العلم سلم الأمم إلى الحضارة، وكاشف ظلمات الجهل، ومسدد الآراء، ومنجح كل مجهود، وهو الذي ينفي الضمائر، ويجمع شمل المتفرقين، ويطهر السرائر، ويوحد كلمة المتنافرين، وينير البصائر فيهدينا إلى أن التآزر شرط النجاح، وأن يد الله مع الجماعة، وأن التباغض مجلبة الشر وأن التنابذ سبيل إلى الذلة). . .

هذا هو ما رآه فتحي في تشخيص داء الأمة، وتقدير الدواء لها، وعلى هذا اندفع ينشد العلم الصحيح لشفاء الأمة من دائها. العلم الذي (ينقي الضمائر، ويطهر السرائر، وينير البصائر)، العلم الذي (يقوم الأخلاق ويبصر الأمة بما لها من حقوق، وما عليها من الواجبات)، وبين غسق القرن الماضي، وغلس القرن الحاضر كانت تهز حياة الأمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>