دعوات الإصلاح المتتالية، فكان الأستاذ الإمام محمد عبدة يدعو دعوة الإصلاح في الناحية الدينية، وكان مصطفى كامل يحمل لواء الوطنية، وكان قاسم أمين يدعو إلى النهوض بالمرأة المصرية، وكانت هذه الدعوات يكتنفها ما يكتنفها من الضجيج والتدافع. أما فتحي زغلول فقد وقف في ميدانه ينادي:(علموا الأمة، علموا الأمة)، وانتحى من ذلك ناحية هادئة، فعكف على التأليف والترجمة، ونقل الآثار النافعة، حتى يقيم من ذلك دعامة للأمة تنهض عليها إلى ما تنشده من الحرية والكرامة وقوة الشخصية.
وكان فتحي زغلول رجل ارتقاء لا رجل ثورة كما يقول أحمد لطفي السيد باشا، وكان يرى أن الوصول في الإصلاح إلى نتيجة مضمونة يقتضي إدراك الحقوق والواجبات؛ حقوق الفرد وواجباته، وحقوق الأمة وواجباتها، ولهذا ابتدأ سنة ١٨٨٨ على أثر عودته من فرنسا يترجم كتاب (العقد الاجتماعي) لروسو، ولكنه بعد أن قطع فيه شوطاً بعيداً تجاوزه، وأقبل على ترجمة كتاب (أصول الشرائع) لبنتام فأتمه وأصدره بعد فترة وجيزة، ثم مضى في الترجمة والتعريب، فعرب كتاب (خواطر وسوانح في الإسلام) للكونت هانري لأدمون ديمولان، و (روح الاجتماع) و (سر تطور الأمم) و (جوامع الكلم) و (حضارة العرب) لجوستاف لوبون، و (خطاب مصطفى فاضل باشا إلى السلطان عبد العزيز) و (كتاب يورجار في الاقتصاد السياسي)، و (جمهورية أفلاطون) و (القرد ضد المملكة) لسبنسر.
ومن هذه الكتب ما تم تعريبه وطبعه، ومنها ما تم تعريبه ولم يطبع، ومنها ما تركه رهن الإنجاز والإتمام ولا ندري ما صنعت به الأيام.
أما في مجال التأليف فقد ترك (كتاب المحاماة) و (شرح القانون المدني) و (رسالة في التزوير)؛ كما ألف كتاباً (في التربية العامة) فأتمه ولكنه لم يطبع فيما علمت. وهناك كتاب وهو كتاب (حاضر المصريين وسر تأخرهم) الذي ظهر سنة ١٩٠٢ من تأليف (محمد عمر)، وكتب مقدمته فتحي باشا، فإن بعض العارفين يعزون تأليف هذا الكتاب إلى فتحي زغلول باشا، ويقولون إنه أخرجه على نسق كتاب (سر تقدم الإنجليز السكسونيين) الذي ترجمه، ولكنه لم يضع اسمه عليه إيثاراً للسلامة نظراً لما تضمنه الكتاب من نقد شديد لاذع. . .
وكان لفتحي باشا في التعريب طريقة آثرها وارتضاها. كان يقرأ الكتاب ويأتي عليه جملة،