السعيدة؛ كما شغله عمله على تحقيق هذه الآمال، وعمله في التعليم والمجلة والزراعة؛ ولكن تلك الأسئلة كانت
تعاوده بين حين وحين، وهي في كل مرة أشد إلحاحاً عليه منها فيما سلف. . . .
وعظم إلحاحها عليه بعد زواجه فقد كان قبل الزواج بعض ما كان يزيح عن نفسه هواجسها من أمل حلو. فلما
بات الأمل حقيقة ماثلة، التفتت نفسه إلى ما كان يكربها. . .
وظهر أثر تلك المخاوف قويا أثناء كتابته قصتيه الكبيرتين فيما أجراه على ألسنة بيبر والبرنس أندرو وليفن؛ ولقد
خاف ليفن أن يقتل نفسه من اليأس لأنه لا يرى في الحياة إلا العذاب ثم الموت. . .
وكان يصل به الحال أحيانا أثناء كتابته (أنا كارينينا) إلى ما يخيفه ويخيف زوجته كما أسلفنا، حتى لم يعد أكثر من مرة بينه وبين الجنون إلا خطوة، وما زاده التأمل إلا حيرة ولا دراسته الفلسفة إلا تشاؤماً وضيقاً. . .
وواجهته تلك الأسئلة بعد (أنا كارنينا) مواجهة مخيفة وعاد في إلحاح وفي ضيق يقول لنفسه: لماذا؛ ما وجودي وما الغرض منه؟ ما هذا الذي يسمى حياة؟ ولم كانت الحياة؟. قال في كتابه (اعترف) يصف هذه الحال (لقد أخذتني الحيرة حتى لا أدرى فيم أفكر؛ فإذا نظرت مثلا فيما عسى أن أعلمه أولادي قلت لنفسي: وفيم هذا؟ أو إذا فكرت فيما عساه أن ينهض بالفلاحين سألت نفسي: وماذا يعيني من هذا؟ أو إذا ذكرت ما عسى أن أكسبه من صيت بما كتبت قلت: سوف تغدو أبعد صيتا من جوجول أو بوشكين أو شكسبير أو موليير أو من كتاب الدنيا جميعا، فما جدوى ذلك؟ ولم أحر جوابا قط، وتلح الأسئلة على حتى ما تقبل ريثاً؛ فيجب أن تلقى جواباً على الفور؛ فإن لم اجب علها صار مستحيلا على أن أعيش. . . ولكنني لم أجد ما أجيب به. . . وأحسست أن ما كنت أضع عليه قدمي قد ذهب هباء، فليس ثمة ما اقف عليه؛ وما عشت زمانا عليه قد ولى، ولم يبق لي شئ. وبلغ بي الحال أن أصبحت أنا الرجل القوي الثري لا أطيق أن أعيش؛ وصارت تدفعني قوة لا تقاوم لأضع لحياتي حداً على صورة ما. ولست أستطيع القول: إني رغبت أن أقتل نفسي،