فإن القوة التي كانت تنتزعني من الحياة كانت أقوى وأشمل وأوسع مدى من أن تكون مجرد رغبة. لقد كانت قوة شبيهة بتلك التي كانت من قبل تربطني بالحياة ولكن في اتجاه عكسي).
ويصور لنا حاله بإحدى الخرافات قال:(هناك خرافة شرقية قديمة عن سائح أقبل نحوه وحش هائج في أحد السهول؛ فلجأ هذا السائح هربا من الوحش إلى جب ناضب، ولكنه وجد في قاع الجب غولاً قد فغر فاه ليلتقمه، ولما رأى السائح التعس أنه لا يستطيع أن يصعد من الجب مخافة أن يلتهمه الوحش الثائر وأنه كذلك لا يستطيع النزول إلى قاعه مخافة أن يلتهمه الغول، فقد أمسك بفرع من النبات انبثق من صدع في الحائط وتعلق به؛ وأحس بالتعب يدب في يديه شيئا فشيئاً، وشعر أنه سوف يسلم نفسه عما قليل لا محالة إلى الهلاك الذي يتربص به من فوقه ومن أسفل منه، ولكنه لن يزال متعلقا بالغصن؛ ثم إنه ما لبث أن رأى فأرين أحدهما أبيض والآخر أسود، وقد دارا حول ذلك الغصن، وأخذا يقرضانه؛ وأيقن السائح أن الغصن لن يلبث حتى يقطع فيسقط هو في فم الغول؛ وبينما يرى ذلك، ويعلم أنه هالك لا محالة، إذ يبصر بقطرات من الشهد على بعض أوراق الغصن فيصل إليها بلسانه ويلعقها. . . وهكذا أتعلق أنا بغصن الحياة، وإني لأوقن أن غول الموت يتربص بي وأنه سوف يمزقني كل ممزق. ولست أستطيع أن أدرك لماذا وقعت في مثل هذا العذاب. ولقد حاولت أن ألعق الشهد الذي كانت لي فيه سلوة من قبل، ولكنني لم أعد أجد في الشهد ما يلذني؛ وما برح الفأران الأسود والأبيض، وهما الليل والنهار يقرضان الغصن الذي تعلقت به، ورأيت الغول في وضوح، ولم يعد للشهد طعمه الحلو. وليس أمام ناظري إلا الغول الذي لا مهرب منه والفأران، ولن أستطيع أن أدير عيني عن ذلك؛ وليس هذا حديث خرافة، وإنما هو الحق الذي لا ينكر والذي يفطن إليه كل إنسان).
لم يجد تولستوي معنى للحياة، فما هي إلا عبث، بل إنها واللاشيء سواء؛ ذلك ما رجع به من طول تأمله ومن طول قراءته شوبنهور وكانت وغيرهما، وذلك ما أجاب به عن تلك الأسئلة التي ظلت سنين تلح عليه وتعذب نفسه.
وهذا اللاشيء هو ما أفزعه، ثم إن انتهاءه إليه بعد طول التفكر هو الضربة التي تلقاها في