من الأفكار والعواطف، أما ما يؤثر في السمع والبصر فلا بأس فيه من الكذب؛ فشكل الأسلوب من النظم والنثر والعامي والفصيح كشكل المسرح من المناظر والستائر والأضواء والأصباغ، تعرف الآذان والعيون أنه صناعي مختلق، ولكن الأذهان والنفوس لابد أن تتأثر لما يقع في الإمكان من المواقف والعواطف والأخلاق والعادات
إن المسرح مهبط البيان ومورد البلاغة وطريق النفوس إلى الجمال والخير والحق، فليس من غايته التأثير واللهو، وإنما يعمد إليهما تخفيفاً لثقل الحكمة عن النفوس كما يساغ الدواء الشديد المرارة بالسكر أو العسل. فإذا لم يخرج المشاهد من المسرح وهو أوفر علماً وأرجح حلماً وأحسن حالاً من قبل أن يدخل فقد أخطأ المسرح غرضه وضل طريقه. ولعمري كيف يستطيع أن يرفع النفوس في مراقي الكمال، إذا لم يترفع هو عن حقارة الحياة العامية، ويصور للناس المُثل العليا من الجمال والفضيلة فيرتفع الشعب إلى سمائه، بدل أن يسف هو إلى حضيضه ودهمائه؟ وعافني نشدتك الله من احتجاجك على بنجاح الرواية الفلانية وهي مكتوبة باللغة العامية، فإن نجاح الرواية لا يقدر بما تستدره من المال والدموع، وإنما تقدر بما يبقى في نفسك منها بعد أن يسكن الممثل وينسدل الستار
إن الضوء الباهر يبقى أثره في العين ملياً بعد اختفائه، والنغم الجميل يرن صداه في الأذن طويلاً بعد فنائه، وكذلك الفن الساحر يستولي على نفسك وحسك حيناً بعد انتهائه. فهل تجد الأمر في هذه الروايات كذلك؟ أم الحقيقة المخجلة أن أكثر هذه القطع تسود في ليلتين وتمثل في ليلة، ثم تذرو أوراقها عواصف البلى والعدم؟!