من الأمثال العجيبة الدارجة في الطبقات المصرية البسيطة قولهم: فلان هذا رجل إنسان!
فتسأل: كيف؟
فيقال: إنك لا تسأله شيئاً ويرفضه مطلقاً. ثم هو دائم الاهتمام بغيرهوبمن هم أقل منه!
وهذا الوصف الصادق السائر بين الطبقات المصرية ينطبق على حافظ إبراهيم في جملته، وإن ابتسم البعض لهذا الوصف الرفيع. . .
فحافظ إبراهيم كان رجلاً (إنساناً) بكل معاني هذه الكلمة.
ولم تقتصر (إنسانيته) أو عطفه على من هم أقل منه فقط، بل شملت من هم أكبر منه، وشملت الأمم والشعوب المنكوبة جميعاً.
وليست إنسانية حافظ إبراهيم في أنه كان دائم الإحسان على غيره، حتى ليجود بكل ما معه لمعدم أو فقير، ولو بقى جائعاً هو نفسه وإنما إنسانيته في العطف على العالم المنكوب، حتى لتراه - مثلاً - يواسي أمه ويعطف عليها ويستدر عطف الغير على هذه الأمة في نكبة ألمت بها، ولكنه يعود في اليوم الثاني فيحمل عليها حملة شعواء لأنها جارت على أمة غيرها أضعف منها، كما سترى في قصائده عن إيطاليا بعد.
ومن المعروف أن حافظاً ذاق البؤس واليأس والجوع والحرمان والتشرد، فهذا مشهور في سيرته.
ولقد قال أبياتاً في هذا المعنى في إحدى قصائده في حفلة رعاية الأطفال:
لم أقف موقفي لأنشد شعراً ... صب في قالب بديع النظام
إنما قمت فيه والنفس نشوى ... من كؤوس الهموم والقلب دامي
ذقت طعم الأسى وكابدت عيشاً ... دون شربي قذاه شرب الحمام
فتقلبت في الشقاء زماناً ... وتنقلت في الخطوب الجسام
ومشى الهم ثاقباً في فؤادي ... ومشى الحزن ناخراً في عظامي
فلهذا وقفت أستعطف الن ... اس على البائسين في كل عام
ولم تكن إنسانيته من نوع إنسانية أبي العلاء المعري الذي يقول:
تسريح كفك برغوثاً ظفرت به ... أبر من درهم تعطيه محتاجاً
فإنسانية أبي العلاء هنا إنسانية متطرفة، هي أقرب إلى السخرية والتهكم منها إلى